افتتاحية قاسيون 983: 2254 وحق تقرير المصير
تطفو على السطح مؤخراً نقاشات متجددة، حول قراءات وتفسيرات القرار 2254، وقضايا بعينها منه. وربما هذا من طبيعة الأمور؛ فقد بات مألوفاً أن نرى احتداماً في نقاشات من هذا النوع على عتبة كل مفصل جديد، فكيف والظروف قد نضجت إلى الحدود القصوى لتنفيذه كاملاً؟
ضمن هذه النقاشات جرى استخدام بعض المواد المنشورة في مواقع روسية وغير روسية تناولت قضايا شائكة متعلقة بالمسألة السورية، حوى بعضها قيماً مضافة يمكن الاستفادة منها، ولكن حوى أيضاً آراءً تستحق الوقوف عندها، وخاصة ما يتعلق منها بمسألة «هيئة الحكم الانتقالية» وموقعها من القرار الدولي.
أول ما ينبغي التذكير به في هذا السياق، هو أنّ تعبير «هيئة الحكم الانتقالية» قد ورد في بيان جنيف بصيغته العربية المعتمدة في الأمم المتحدة أربع مرات، ومرة في مقدمة القرار 2254، بالشكل التالي: «وإذ يكرر التأكيد على أنه ما من حل دائم للأزمة الراهنة في سورية إلا من خلال عملية سياسية جامعة بقيادة سورية تلبي التطلعات المشروعة للشعب السوري، بهدف التنفيذ الكامل لبيان جنيف المؤرخ 30 حزيران/يونيه 2012، الذي أيده القرار 2118 (2013)، وذلك بسبل منها إنشاء هيئة حكم انتقالية جامعة تخوَّل سلطات تنفيذية كاملة، وتعتمد في تشكيلها على الموافقة المتبادلة...».
الأمر الثاني أنّ هذا التعبير اقترن في النصين على السواء بجملة صفات الأكثر أساسية بينها هو أنه يُشكّل بالتوافق بين السوريين وضمن عملية سياسية بملكية سورية وبقيادة سورية، وهنا جوهر القضية...
يحاول البعض الهجوم على القرار أو الدفاع عنه، انطلاقاً من القول الافتراضي بأنه كان مشروعاً أمريكياً وافق عليه الروس. حقيقة الأمر هي أنّ الخلاف بين الروس والأمريكيين لم يكن حول وجود مرحلة انتقالية ولم يكن في أي نقطة أخرى من نقاط القرار، وإنما تركّز كلّه حول نقطة واحدة: ما هي آلية تشكيل «هيئة الحكم الانتقالية»؟ وكان للأمريكين كعادتهم رأي يقول بفرض التشكيل على السوريين من الخارج، في حين أصر الروس على أنّ السوريين وحدهم هم من يحق لهم ذلك، لأنّ ذلك جزء أساسي من حقهم في تقرير مصيرهم.
المحصلة هي أنّ هذا الرأي هو الذي انتصر، ولذلك بالضبط، نتمسك بالقرار 2254 لأنه في جوهره، وكما قلنا مراراً: أداة لخروج سورية من أزمتها، ولإنفاذ حق الشعب السوري في تقرير مصيره بنفسه.
وإذا كانت مكونات وأطوار المرحلة الانتقالية الموضح تسلسلها في القرار تبدأ من «هيئة الحكم الانتقالية»، (والتي نسميها جسم الحكم الانتقالي ترجمة دقيقة عن النسخة الإنكليزية للقرار)، ومن ثم الدستور فالانتخابات، فإنّه لا مانع بالمعنى الواقعي أن نبدأ من نقطة أخرى هي الدستور، (كما جرت المحاولة حتى الآن)، ولكن في نهاية المطاف فإنّ البنود كلها واجبة التطبيق.
المعنى الأوسع لحق الشعب السوري في تقرير مصيره، لا يقف عند حدود خياراته في شكل الحكم في دولته ونظامها ودستورها، بل ويمتد أيضاً إلى حقه في السيادة الكاملة غير المنقوصة على كامل أراضيه، بما يعنيه ذلك من إنهاء كافة أشكال التدخلات الخارجية في سورية، وبما يعنيه أيضاً من إنهاء كافة الاحتلالات على الأرض السورية، بما فيها احتلال الكيان الصهيوني للجولان السوري... وصولاً لوضع السلطة كاملة بيد الشعب السوري بشكل حقيقي لأول مرة في تاريخه الحديث... وهذا كله يمر عبر طريق واحد هو التطبيق الكامل للقرار ٢٢٥٤.
لتحميل العدد 983 كاملاً بصيغة PDF
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 983