«كشف حساب» أمريكي: كورونا ليس الوباء الوحيد
سعد خطار سعد خطار

«كشف حساب» أمريكي: كورونا ليس الوباء الوحيد

أعاد فيروس كورونا تسليط الضوء على أوجه القصور والعجز في المنظومة الأمريكية. فالمنظومة التي ظلت حتى وقت قريب تتفاخر في قدراتها الاستثنائية وتفردها على المستوى الدولي، بدت اليوم عاجزة عن تأمين أبسط الحقوق الإنسانية لشعبها.

اللافت في طريقة التعاطي الأمريكية مع انتشار وتفشي فايروس كورونا أنها لم تفصح فقط عن أوجه القصور التي ترتبط بالقطاع الصحي في الولايات المتحدة فحسب، بل فتحت الباب واسعاً لكشف الزيف الذي يسود المنظومة من رأسها حتى أخمص قدميها. فيما يلي، نستعرض بعض النقاط التي يكثر الحديث حولها اليوم بين أوساط الأمريكيين عموماً.

محاباة أصحاب الأعمال

جرى تسليط الضوء على الفساد الذي يسم عمل المؤسسات الرسمية في الولايات المتحدة، وبشكلٍ خاص عمليات الإنقاذ الضخمة التي بلغت عدة تريليونات من الدولارات، والتي تلقتها الشركات الكبرى في البلاد. وعلى هذا النحو، تجلت مسألة محاباة الشركات وأصحاب الأعمال بأكثر أشكالها بشاعة، فبدلاً من استخدام هذا المال من أجل تأمين دفع تكاليف المعيشة للناس للبقاء في منازلهم في خضم وباء عالمي ينذر بالمزيد من الإصابات، أبانت المؤسسة الأمريكية الوجه الحقيقي لها الذي يُمثل الأثرياء في وقتٍ تُحطم فيه البطالة أرقاماً قياسية.

الربح فوق كل شيء

انكشفت كذلك عبادة الرأسمالية في الولايات المتحدة، والطريقة التي ينظر فيها المسؤولون الأمريكيون إلى سوق الأسهم بوصفها مؤشراً على السلامة العامة في المجتمع. فعندما كانت صحيفة «وول ستريت جورنال» تُعنون: «مؤشر داو يرتفع أكثر من 11٪ في أكبر قفزة ليوم واحد منذ عام 1933»، لم يأخذ خبر «الارتفاع القياسي في طلبات إعانة البطالة» حيّزاً مماثلاً من الاهتمام الاقتصادي. فطالما الأسهم «تزدهر»، وحصص «أمازون» آخذة في الارتفاع، وتنتقل جبال من الثروة إلى الشركات العملاقة المترامية الأطراف، فذلك بحسب المنطق الأمريكي السائد: «دليل على المجتمع السليم».

نُكتة أفضل نظام رعاية

كذلك باتت نُكتة تمتع الولايات المتحدة الأمريكية بأفضل نظام رعاية صحية، نُكتة سمجة في ظل التزايد الكارثي في أعداد المصابين في البلاد، والعوز والنقص في اللوازم الطبية، وسط تبيان العدد الحقيقي للمواطنين الأمريكيين الذين لا يتمتعون بأي نوع من أنواع التأمين الصحي.
ومشكلة النظام الأمريكي في هذه المسألة أنه لا يستطيع المبالغة في تصوير الموضوع على أنه طبيعي، لأن العالم يلمس نموذجاً مغايراً من الأنظمة في العالم، التي استطاعت أن تضع مصالح شعوبها فوق كل اعتبار آخر، بما في ذلك اعتبارات الربح.

التفاوت الطبقي

على هذا النحو، يجري الحديث مؤخراً وبكثافة عن التفاوت الطبقي في دولةٍ تعاني ما تعانيه مما ذُكر سابقاً، ففي حين أن أغلب المواطنين في الولايات المتحدة الأمريكية لم يتكمنوا بالفعل من تحمل نفقات الطوارئ الصحية التي تبلغ قيمتها وسطياً حوالي 1000 دولار، ارتفع مستوى الحديث والتواصل بين المواطنين، ليغدو موضوع التفاوت الطبقي واحداً من أهم الأساسات التي تهتز تحت أقدام النخبة الحاكمة في الولايات المتحدة.

النظام العسكري وجنون آلة الحرب

مع تزايد حالة الوعي التي رافقت انتشار الفيروس، وإقبال الناس على نقاش تلك المسائل الأكثر حساسية في المجتمع، ظهر الكلام مجدداً عن الموضوع القديم الجديد، وهو حجم الإنفاق العسكري الأمريكي الذي يؤثر سلباً على الإنفاق الحكومي على الرعاية الصحية، وفي هذه النقطة، تخرج إلى العلن المفارقة التي بات يتكرر الحديث فيها في الولايات المتحدة، وهي أن الإنفاق العسكري الأمريكي لا يقتل مواطني الدول التي تضعها واشنطن على قائمة الاستهداف فقط، بل يقتل بطريقة غير مباشرة مواطني الولايات المتحدة أنفسهم أيضاً.

زيف نظام الحزبين

اعتادت الدعاية الغربية أن تصور نظام الحزبين الأمريكي بوصفه الطريقة الأمثل للديمقراطية، حيث تفترض الدعاية مسبقاً أننا أمام حزبين مختلفين من حيث الطروحات، ولدى المواطن الأمريكي الحرية في اختيار ممثليه. لكن التصريحات الرسمية التي خرجت من أقطاب الحزبين كليهما أعادت إلى الأذهان مجدداً وجود خطوط حمراء لا يجرؤ أي من الحزبين على تجاوزها، وهي بالضبط هنا مصالح رأس المال والمسّ في عَصب المنظومة القائمة. فبالرغم من التباين في التصريحات، إلا أن طرحاً حقيقياً يأخذ بعين الاعتبار مصالح الناس ومطالبهم في هذا الوقت لا يجد طريقه لا إلى ممثلي الحزب الديمقراطي ولا نظرائهم في الجمهوري.

الإعلام الكاذب

جرت العادة أيضاً أن يتم النظر إلى الإعلام الأمريكي باعتباره نموذجاً عن المهنية والموضوعية، لكن واقع الحال اليوم كشف عن أن وسائل الإعلام هذه لا تختلف كثيراً في جوهرها عن وسائل الإعلام التابعة لأكثر النظم تخلفاً في العالم. ففي وقتٍ تتضح فيه الفضيحة الأمريكية بأكثر أشكالها وضوحاً، لا تزال صحيفة نيويورك تايمز تتغنى بالنظام الصحي الأمريكي الذي لا يوجد له نظير في العالم، وتسيرُ مع غيرها من الوسائل الإعلامية ضمن الخطوط المرسومة لها لمواصلة شيطنة روسيا والصين وكوبا، في ظرفٍ تقدّم فيه هذه الدول نموذجاً برّاقاً عن التضامن العالمي.
الآن، لدى وسائل الإعلام الأمريكية القابلية للحديث في أي شيء، فيما عدا تلك المسائل المرتبطة بنقاش أزمة المنظومة في العمق، بل وحتى في نقاش المسائل الملحة التي يطرحها الشعب الأمريكي بالوسائل المتاحة نسبياً بين يديه من مواقع تواصل اجتماعي وغيرها.

معلومات إضافية

العدد رقم:
960
آخر تعديل على الإثنين, 11 أيار 2020 13:04