الطريق العالمي المفتوح لإنهاء هيمنة الدولار

الطريق العالمي المفتوح لإنهاء هيمنة الدولار

لوقتٍ طويلٍ جداً، جرت إساءة استخدام الدولار الأمريكي كعملة احتياطية عالمية، إلى حد ساد معه الاعتقاد بأن البشرية لم تعد قادرة بعد الآن على التخلي عنه، وذلك بسبب اعتماد الحكومات حول العالم والبنوك المركزية والأسواق المالية العالمية على هذه العملة في كل شيء تقريباً.

رغم الاعتماد الكبير على الدولار، فإن لكل شيءٍ نهاية، والكثير من المؤشرات حول العالم باتت تقود إلى استنتاجٍ مفاده أنه قد يكون حان الوقت لتوديع الدولار عالمياً، إذ إن ظهور التوازن الدولي الجديد، وصعود قوى دولية جديدة على المسرح العالمي يعدُّ بمثابة بداية النهاية للدور الضخم الذي لعبه الدولار منذ القرن الماضي.

خسارة 4% خلال عامين

تظهر أحدث التقارير الصادرة عن صندوق النقد الدولي حول الاحتياطيات النقدية العالمية التي تحتفظ بها البنوك المركزية تحولاً كبيراً وضخماً بعيداً عن الدولار. حيث يشير محللون في هذا التقرير إلى أن إعادة النظر في المخاطر السياسية الناجمة عن الاعتماد الرئيس على الدولار باتت السمة العامة للسياسات المالية التابعة لدولٍ مفتاحية بالمعنى الاقتصادي عالمياً. وأن البنوك المركزية تجري إعادة النظر هذه بسبب التغير السريع في المشهد الجيوسياسي القائم.
وتشير التقارير إلى أن احتياطات الدولار تراجعت بنسبة 4% خلال العامين الماضيين، والسبب الرئيس في ذلك، هو الاتجاه نحو حيازة اليوان والين واليورو وغيرها من العملات، كنوع من هامش أمان اقتصادي، وخصوصاً في الدول التي كانت لها علاقات سياسية متوترة مع الولايات المتحدة في الآونة الأخيرة؛ بحيث انخفضت حصة الدولار في الاحتياطيات العالمية من 65,3% في الربع الأخير من العام 2016، إلى 61,7% في 2019. (انظر الرسم البياني المرفق)

واشنطن تعزز اتجاه التخلي عن الدولار

خلال السنوات الأخيرة، بدأ عدد متزايد من الدول في تنفيذ سياسات أدت إلى تخفيض اعتماد الدولار في اقتصادها. وقد أصبح الانخفاض المفاجئ في حصة الدولار في الاحتياطيات الوطنية للجهات الدولية الفاعلة والرئيسة، والتزام هذه الجهات باستخدام العملات الوطنية في التبادلات الخارجية، قاعدة جديدة في السياسات الاقتصادية. أما المساهم الرئيس في تعزيز هذا الاتجاه، فهو واشنطن ذاتها، حيث إنها باختيارها للعقوبات الاقتصادية كأداة رئيسة في سياساتها الخارجية، ساعدت خصومها الدوليين على اتخاذ سياسات اقتصادية ومالية أكثر استقلالاً وقدرة على المواجهة. فعندما يتم فرض ما يسمى بالقيود التجارية بشكلٍ تعسفي ومتهور، فلا عجب أن معظم اللاعبين الدوليين سرعان ما يشعرون بالقلق. ومع ذلك، تستمر واشنطن في تجاهل العواقب طويلة الأجل التي قد تنتجها مثل هذه السياسات. وفي ظل هذه الظروف، يبدو من غير الطبيعي أن تظل الولايات المتحدة مسيطرة على العملة الاحتياطية الأولى في العالم.

إشارات من آسيا

في هذا الصدد، لا بد من الإشارة إلى التوجه العام الذي يسود دول آسيا اليوم بالاتجاه بعيداً عن الدولار، ومن ذلك الدعوات إما لإنشاء عملة آسيوية جديدة، أو العودة إلى معيار الذهب. وكمثال على ذلك، أعلن الرئيس الماليزي، مهاتير محمد، خلال العام الماضي أن قواعد الدفع الحالية تجعل العملات الآسيوية عرضة للتلاعب الخارجي، وإذا كانت الدول الآسيوية بصدد فعل شيء حيال ذلك، فإن عليها أن تبدأ بإنشاء تداول مشترك لعملة واحدة على أساس معيار الذهب، ويرجع ذلك إلى حقيقة أن الذهب لا يزال سلعة مستقرة.
ولن يجري استخدام هذه العملة في المدفوعات الداخلية في آسيا، ولكن قد تكون أداة فاعلة في العمليات التجارية بين الدول. وفي نهاية المطاف، يمكن لمثل هذه السياسة النقدية أن تقوض هيمنة الدولار في التجارة الدولية، وأن تغير هيكل الاحتياطيات الوطنية لعددٍ من الدول الفاعلة عالمياً. وهنا تجدر الإشارة إلى أن دول رابطة جنوب شرق آسيا بالإضافة إلى ثلاث دول فقط (الصين واليابان وكوريا الجنوبية) هي التي تملك حصة الأسد من احتياطيات العالم من الذهب والعملات، وبالتالي، فإن العملة الآسيوية الموحدة قد تصبح من الناحية النظرية المعيار الجديد للمعاملات الدولية. وهنا يضعف إلى حد كبير الرهان على الموقف الياباني والكوري الجنوبي الذي اعتاد على مسايرة واشنطن في مثل هذا النوع من السياسات، بحيث لن يكون منطقياً بالنسبة لهاتين الدولتين أن تخسرا جزءاً كبيراً من السوق الآسيوية للسير في الركب الأمريكي الذي لم يعد في جعبته ما يساعدهما.

القابلية متاحة، والمشروع كذلك

مع استخدام الولايات المتحدة للدولار كسلاح اقتصادي للضغط على خصومها وشركائها التجاريين، فإن روسيا والصين والهند تعمل جاهدة على تطوير اتفاقية جديدة تسمح لها بتجاوز الدولار، واعتماد العملات الوطنية في التبادلات التجارية. وفوق ذلك، وصل التبادل التجاري الثنائي خارج الدولار الأمريكي بين بعض الدول إلى أكثر من 50%، كما هو الحال مثلاً بين إيران وروسيا، بحيث أعلن الممثل التجاري الروسي في إيران رستم جيغانشين مؤخراً أن حصة الحسابات المتبادلة بين روسيا وإيران بالعملات الوطنية تجاوزت الـ50% خلال عام 2019، بينما كانت عند حدود الـ40% خلال عام 2018.
بالإضافة إلى ذلك، كان لافتاً «التسابق» الذي أبداه الرئيسان الإيراني، حسن روحاني، والتركي، رجب طيب أردوغان، خلال المؤتمر الإسلامي الذي عقد في ماليزيا أواخر العام الماضي، حيث إن كلاً منهما كان يؤكد على أنه صاحب فكرة التخلي عن الدولار في التسويات التجارية بين الدول الإسلامية، وبغض النظر عن أحقية الفكرة وأسبقيتها، إلا أن ما يهمنا هنا، أن دولاً بحجم تركيا وإيران، وقبلهما روسيا والصين والهند وعدد غير قليل من الدول الآسيوية، قابلة اليوم للانخراط في مشروعٍ عالمي لإنهاء سيطرة الدولار الأمريكي في التبادلات العالمية.

 

 

معلومات إضافية

العدد رقم:
952
آخر تعديل على الأربعاء, 12 شباط/فبراير 2020 12:17