ما الذي ستجنيه الأنظمة العربية المؤيدة لـ«صفقة القرن»؟
ابتداءً من لحظة إعلان ترامب في مؤتمره الصحفي المشترك مع نتنياهو يوم (28 كانون الثاني) عن تفاصيل إضافية ضمن ما يسميه «صفقة القرن»، ووصولاً إلى الإعلان الأخير لنتنياهو عن بدء ضم مناطق المستوطنات ضمن الضفة الغربية، تأرجحت المواقف الرسمية لعدد من الدول العربية من المسألة، وبشكل خاص مواقف دول الخليج ومصر ومن ثمّ السودان.
إذا كانت دول الخليج بمعظمها وكذلك مصر، قد سارعت إلى تأييد الصفقة بشكل غير مباشر، فإنّ ذلك جاء متناقضاً شكلياً مع لقاء الجامعة العربية الطارئ الذي تعالت ضمنه أصوات رافضة، بعضها صدر من الدول نفسها التي أيدت!
موافقة «تحاول أن تكون خجولة»
إنّ ما يبدو من تخبطٍ بين الموافقة العملية بل والصريحة أحياناً، والمناكفات الشكلية التي تدّعي رفض الخطَّة، يعود في أحد أسبابه إلى حجم الحرج الهائل الذي وقعت فيه الأنظمة المطبّعة، ليس أمام شعوبها فحسب (والشعوب هي في آخر قائمة حسابات هذه الأنظمة أغلب الأحيان)، بل وأمام الدول الكبرى الأخرى وعلى رأسها روسيا والصين اللتان تعلم هذه الأنظمة جميعها أن لا سبيل لتجاهلهما، ولا إمكانية مطلقاً للاستمرار بالعمل في صف الأمريكي ضدهما، وخاصة في سعي واشنطن لتكريس الفوضى وعدم الاستقرار ضمن المنطقة بأسرها، والذي باتت صفقة القرن إحدى عناوينها الكبرى. ناهيك عن الحرج «العربي» من مواقف إيران وتركيا التي جاءت رافضة للصفقة، خاصة وأنّ جزءاً كبيراً من السياسة الإعلامية التي تقودها بعض الأنظمة العربية في سعيها لاسترجاع وزنها الإقليمي الذي فقدته لصالح هاتين الدولتين، وفي سورية خاصة، يبنى على أساس مواقف شكلية (قومية)، تقول بأنّ المسائل العربية يجب أن يحلها العرب ولا يجوز أن يتدخل فيها (الأعاجم)... فكيف سيكون حال الدعاية ضد هؤلاء (الأعاجم) حين يصدرون مواقف ضد الكيان الصهيوني وداعمه الأمريكي، في الوقت الذي تصدر (الأعراب) مواقف داعمة للكيان؟!
مرة أخرى، ينبغي التأكيد أنّ الموقف الحقيقي لمعظم أنظمة الخليج، إضافة إلى النظام في مصر، تؤيد الصفقة. بل إنّ البيانات التي أصدرتها وزارات خارجياتها تبدو وكأنها صيغت من قبل شخص واحد، إذ تكاد لا تختلف عن بعضها سوى بكلمات قليلة. كل هذه البيانات تضمنت توجيه الشكر لترامب و«جهوده» و«مبادرته من أجل السلام»، وانتهت إلى التأكيد على دور الأمريكي «وسيطاً» في حل الصراع.
المصيبة الكبرى
بالعودة إلى ما يمكن أن يحمله تأييد هذه الأنظمة لصفقة القرن على بلدانها بالذات، فإنّ الفوائد التي تحلم بها تلك الدول بالإطار التجاري الاقتصادي، لا يمكنها أن تبرر ذلك التأييد ولا حتى أن تفسره لمن يملك أدنى قدرة على إجراء بعض الحسابات المنطقية البسيطة، وعلى رأسها الفكرة الواضحة التالية: أي ربح تجاري أو اقتصادي لا يمكن أن يتحول إلى واقع ضمن ظروف عدم الاستقرار والفوضى الشاملة، وهذه الظروف بالذات هي ما تعد به صفقة القرن ليس إلّا...
أهم من ذلك وأخطر، أن ضيق الأفق الذي يتملّك عقول بعض الأنظمة العربية، ويستند إلى تجاهلها التاريخي لرأي شعوبها في أية سياسة تتبناها، كان يمكن له أن يمرّ دون «منغِّصات» كبرى طوال عقود مضت، لكنّه اليوم، وفي ظل الحركة الشعبية من جهة، والأزمات المتراكمة بعضها فوق بعض، الداخلية منها والعالمية، لم يعد قابلاً للحياة.
إنّ ما تتضمنه صفقة القرن، ناهيك عن كونها لن تصل إلى تطبيق نهائي بحال من الأحوال، هو أنها مصممة بالضبط لا لتجلب السلام، بل على العكس تماماً ستجلب مزيداً من عدم الاستقرار للمنطقة؛ وستستخدم لإعادة بث الروح في مثيلات داعش والنصرة بيد الأمريكان أنفسهم، ليس لتعقيد طريق المقاومة المشروعة ضد الاحتلال فحسب، بل ولتوسيع نطاق عمل المنظمات الإرهابية وصولاً إلى الدول المؤيدة لصفقة القرن...
إنّ الأمريكي الذي سيخرج من المنطقة في المدى القريب، يريد أن يترك وراءه خراباً شاملاً وحرائق لا تنطفئ إلا بعد سكب أنهار من الدماء فوقها، وفي هذا السياق فإنّ «براغماتية» الأنظمة المؤيدة لصفقة القرن سوف تسوقها، ليس فقط نحو موقع خيانة القضية الفلسطينية وقضايا شعوب المنطقة عامة (والتي يواظب قسم منها على التمركز ضمنه منذ عقود)، بل وأيضاً نحو موقع الخيانة المباشرة لدولها، خيانة تتجاوز مسائل الفساد والنهب والإفقار والقمع وتصل حدود خيانة عظمى لمصير تلك الدول وشعوبها.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 952