تداعيات قيصر

تداعيات قيصر

بعد توقف دام ثلاث سنوات يتدحرج قانون قيصر بسرعة ليس لها مثيل حاصلاً على موافقة الكونغرس ومجلسي النواب والشيوخ الأمريكيين ويصل إلى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، كلقمة الغلاء في الوقت المناسب، رغم أنَّ العقوبات على سورية ليست جديدة، لكن هذا القانون يستهدف بالدرجة الأولى الدول الداعمة لسورية وأهمها روسيا وإيران، وعلى اعتبار أن هناك عقوبات تستهدف إيران أساساً، فلن تطال هذه العقوبات إلا روسيا ومزيداً من الحصار على الشعب السوري، حيث إنه ينال من ضمن ما يناله النفط والإنشاءات العامة من حيث فرضه لعقوبات على النظام السوري والشخصيات السورية والدول والشركات الأجنبية التي تتعامل مع سورية.

قيصر والسَّيلين

على نفس أرضية العقوبات الأمريكية الجديدة التي فرضها قانون قيصر وافق مجلس الشيوخ الأمريكي على مسودة قانون يفرض العقوبات على «السيل الشمالي-2» و«السيل التركي» وهما مشروعان إستراتيجيان لنقل الغاز الطبيعي الروسي إلى أوروبا، مما أدى إلى ارتفاع مستوى التناقض الأمريكي- الأوروبي مع الرفض الألماني والفرنسي لهذه العقوبات.

بريكست وكرة الثلج

في حين ما تزال المملكة المتحدة تتخبط في أن تبقى ضمن كنف الاتحاد الأوروبي أو أن تخرج عنه تصبح بريكست نقطة الخلاف، التي قد تودي بصاحبها حيث ربما لا تبقى المملكة المتحدة متحدةً، في ظل الضغوط التي تمارسها اسكوتلندا من خلال طلبها الجديد للاستفتاء الطامح إلى الخروج من المملكة المتحدة.
إنَّ تناقص وزن الولايات المتحدة الأمريكية عالمياً لا يعني أنها لم تعد تعمل على خلق أكبر عدد ممكن من بؤر التوتر أثناء خروجها من ساحة المنطقة والإقليم.

غاز المشرق

يبرز التوتر المتوسطي الجديد القائم على صراع الغاز كأحدث عنصر في الساحة الدولية. فعلى أرضية الاتفاق التركي- الليبي المتعلق بتقاسم أحواض استغلال الغاز في المتوسط يتطور التوتر بين تركيا وليبيا من جهة واليونان وقبرص ومصر من جهة أخرى، في تداعِ يصل إلى حد تقديم اعتراض رسمي يوناني- مصري في مجلس الأمن الدولي، بعدما فرضت تركيا سيطرتها على شمال المتوسط الشرقي نفطياً، من خلال الاستيلاء الفعلي على نفط الجرف القارّي، مما يغضب اليونانيين والأوروبيين.
ولم تستطع حكومة الكيان الصهيوني البقاء بعيداً عن سياسة الولايات المتحدة في استغلال الفرصة للتوتير، فاقترح رئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو على قبرص واليونان الاتفاق معه، على مشروع شبكة أنابيب لضخ الغاز المستخرج في شرق المتوسط، إلى أوروبا.
وأدان نتنياهو مذكرة التفاهم المبرمة بين تركيا وليبيا لترسيم مناطق التبعية البحرية، ودعا قبرص واليونان للتوقيع فوراً معه على اتفاقية حول شبكة الأنابيب المذكورة.

وماذا عن الغرب؟

يبدو أن اشتداد الصراع على البحر المتوسط في حوضه الشرقي لن يعفي حوضه الغربي من تبعات امتداد هذا الصراع إليه، ولإن كان احتدام الصراع يجري على خلفية الاكتشافات الغازية والنفطية في الحوض الشرقي فمن يدري ما سيكون المبرر في الحوض الغربي.
وليست المناورات البحرية المصرية بعيدة عن إطار التوتر هذا. ويأتي القرار الأمريكي بإلغاء قرار وقف تسليح قبرص (حيث فرضت واشنطن عقوبات مالية واقتصادية، واتبعت سياسة حظر بيع الأسلحة الأمريكية للجزيرة القبرصية منذ العام 1987) في إطار دفع التوتر للأمام. بالتزامن مع قرار الاعتراف بمذابح الأرمن، حيث أيّد مجلس النواب الأمريكي الشهر الماضي بأغلبية ساحقة قراراً يعترف بأن: «عمليات القتل الجماعي التي تعرض لها الأرمن قبل 100 عام إبادة جماعية» في تصويت رمزي من المرجح أن يؤدي إلى تفاقم التوتر مع تركيا. وتصريحات وزير الدفاع الأمريكي حول أن تركيا تسير باتجاه «غير مرغوب» وهو ما ردت عليه أنقرة بأن الرد على العقوبات إن فرضت سيكون إلغاء التواجد الأمريكي في قاعدتي انجرليك و كورجيك العسكريتين الأمريكيتين. إذ قال جاويش أوغلو إنه «إذا أقدمت الولايات المتحدة الأمريكية على خطوة سلبية ضد تركيا، فإن أنقرة سترد عليها»، وأضاف: إنه «في حال فرضت الولايات المتحدة عقوبات على تركيا، فإن أنقرة ستبحث مسألة الوجود الأمريكي في قاعدتي إنجيرليك وكورجيك»، مؤكداً أن «تركيا منفتحة على بدائل لمقاتلات «إف 35» الأمريكية، بما في ذلك من روسيا».

إلى أين تذهب تركيا؟

إن ارتفاع مستوى التناقضات الأمريكية التركية يغذيه أن تركيا تذهب باتجاه التصنيع الحربي المشترك مع روسيا بما في ذلك صواريخ إس 400، وهو ما يفسر ارتفاع مستوى التوتر في شرق المتوسط الذي تؤججه الولايات المتحدة الأمريكية أثناء انسحابها.

الغاز والحرب الليبية؟

يبدو أنه من المفيد مراجعة كل القضية الليبية والحرب الدائرة منذ تسع سنوات لفهم دور القوى الإقليمية وعلاقتها بأحد العوامل الحاسمة وهو الغاز المتوسطي.
ويرتفع في هذه الأثناء مستوى التوتر في ليبيا، بعدما توقف هجوم حفتر لتحرير طرابلس منذ ستة أشهر في إشارة إلى توازن للقوى لا يسمح للطرفين بالتقدم عسكرياً، وحيث يتوقع حفتر دعماً مصرياً لمجابهة الاتفاق الليبي- التركي. في حين تلعب روسيا دوراً في التهدئة وتخفيف حدة التوتر الذي تسببه الولايات المتحدة من خلال وساطتها بين الحليفين المصري- الإماراتي والتركي- القطري وكل وسائل الحلول السياسية، التي يستعملها الروس في هذا الملف وغيره للتهدئة.

معلومات إضافية

العدد رقم:
945
آخر تعديل على الإثنين, 23 كانون1/ديسمبر 2019 14:06