على أبواب اجتماعها الأول... علينا كسر إرادة المعطَّلين!
ينعقد الاجتماع الأول للجنة الدستورية السورية بصيغتها الموسعة (150 عضواً) يوم الثلاثين من تشرين الأول في جنيف ولمدة ثلاثة أيام، على أن يتبع ذلك اجتماع مدته أسبوع للصيغة المصغرة (45 عضواً).
جرت تسمية رئيسين مشتركين للجنة الدستورية في إطار عمليات التحضير لانطلاق اجتماعاتها، واحد عن النظام وآخر عن المعارضة، وقد رفض النظام إرسال الرئيس المشترك من جهته إلى جنيف قبل أيام من الاجتماع الأول المقرر في 30 تشرين الأول، والذي كان من المفروض أن يصل للاجتماع بالرئيس المشترك عن المعارضة، وبالمبعوث الدولي لمناقشة مباشرة حول تفاصيل الافتتاح ولتسهيل وتنظيم أمور الافتتاح وآليات العمل، وهو الأمر الذي لا تفسير آخر له سوى ضعف الإرادة السياسية في الوصول إلى حل.
هذا السلوك ليس استثناءً، فمجمل المواقف التي اتخذها النظام خلال العامين الماضيين من مسألة اللجنة الدستورية، ابتداءً من استصدار «نسخة خاصة» عن بيان مؤتمر سوتشي الصادر في الشهر الأول من عام 2018، مروراً بالإصرار على تسمية اللجنة (لجنة مناقشة الدستور الحالي) خلافاً لاسمها في البيان نفسه، ووصولاً إلى الإغراق في التفاصيل والمناكفات بما يتعلق بالتشكيل وآليات العمل، والتي لعبت دوراً مهماً في مساعدة الغرب على تعطيل ظهور اللجنة وتأخير ظهورها كل هذه الفترة، ناهيك عن أوامر منع السفر لعدد من أعضاء اللجنة، والذي استمر في بعض الحالات لأكثر من سنة متواصلة ولم تتم إزالته إلا في الأيام الأخيرة، بل إنّ البعض قد تمت إزالة منع السفر عنه لمدة مؤقتة وقصيرة، (على أن يعود لمراجعة جهات أمنية لتمديد السماح بالسفر).
على المقلب الآخر (وربما المقلب نفسه)، لعب المتشددون في المعارضة الدور نفسه، ابتداءً من رفضهم حضور سوتشي ومهاجمتهم المستميتة له، ومن ثم اتفاقهم السري مع دي مستورا على التخلي عن دور المعارضة في المساهمة في اختيار الثلث الثالث مقابل سكوت دي مستورا عن تمثيل بقية أطياف المعارضة والحفاظ على حق حصري لهيئة التفاوض بتمثيل المعارضة، وهو الأمر الذي ساعد النظام على تعقيد مفاوضات اختيار الثلث الثالث انطلاقاً من أنّه لا حق للأمم المتحدة بأن تقرر في مسألة سيادية كهذه، (وهو أمر صحيح ومتوقع، لأنّ تخلي المعارضة عن دورها حوّل الميسر الدولي إلى طرف يواجه الطرف الحكومي).
كذلك الأمر مع التصريحات المستمرة المعادية للجنة، والتي أطلقها بشكل خاص رئيس هيئة التفاوض السورية، حتى قبل يوم واحد من تشكيل اللجنة، بل وحتى منذ أيام قليلة خلال اجتماعه مع من يسميهم (أصدقاء الشعب السوري) وعلى رأسهم الولايات المتحدة، عبر التلويح الاستباقي بالانسحاب من اللجنة: «ستبذل الهيئة كل الجهود من أجل ضمان نجاح اللجنة ولكنها في نفس الوقت، لن تتورع أبداً أو تتردد في وقف العملية الدستورية فوراً ورفع الشرعية السورية منها، إذا حادت اللجنة الدستورية عن الطريق الذي يلبي تطلعات الشعب السوري ويحقق آماله أو خرجت عن روح تطبيق القرار 2254» تاركاً الباب مفتوحاً للتعطيل في أية لحظة يرتئي فيها هو أو من يدعمه أن «العملية انحرفت»...!
وذلك إضافة إلى المحاولات الاستباقية التي يقودها الائتلاف لتحويل أعضاء اللجنة عن المعارضة (وعبر قواعد إجرائية خاصة بالمعارضة) إلى عسكر في جيش الائتلاف، يصوتون بصوت واحد ضمن اللجنة الموسعة على أساس «الأكثرية الحاكمة ضمن المعارضة» والتي نتجت عبر موازين قوى منقرضة فرضها من يسمون «أصدقاء الشعب السوري» حين كان لهم وزن في المسألة السورية، وهو الأمر الذي يحلم الائتلاف من خلاله بتحويل ثلث المعارضة إلى ثلث معطل للتوافق أسوة بما يمكن أن يشتغل عليه النظام ضمن ثلثه.
ستمضي قدماً رغماً عن المعطلين
ربما يورث الكلام السابق شعوراً بالإحباط لدى من يأملون بصدق أن تؤدي اللجنة دورها كمفتاح حقيقي للحل، لكن ينبغي التذكير بمسألتين أساسيتين في هذا السياق:
الأولى هي أنّ المعطلين من متشددي الطرفين، لم يريدوا للجنة أن تتشكل من الأساس، وبذلوا قصارى جهودهم لتأخير تشكيلها، ولكنها تشكلت في نهاية المطاف، ورغماً عنهم، والسبب الأساس والعميق الذي كسر إرادة التعطيل هو التراجع والتقهقر الأمريكي في الملف السوري وصولاً إلى دور شبه صفري، بالتوازي مع تراجع أشد وطأة في أدوار بقية أعضاء المجموعة المصغرة الغربية (فرنسا- بريطانيا- ألمانيا- السعودية- الأردن- مصر)، وذلك بمقابل التعاظم المستمر لدرجة التوافق والتفاهم بين ثلاثي أستانا الذي بات يتمتع بدور ريادي وقيادي في حل الأزمة السورية، وفي الدفع باتجاه التطبيق الكامل للقرار 2254.
المسألة الثانية، هي أنّ أعضاء اللجنة أنفسهم، وأياً يكن الثلث الذي ينتمون إليه، هم سوريون، وبينهم أسماء مشهود لها بوطنيتها وإصرارها على إخراج البلاد من الأزمة، وهؤلاء لن يخضعوا للضغوط والابتزازات، وسيدفعون باتجاه التوافق وستساعدهم الرغبة العارمة لدى السوريين في الخروج من الكارثة، وكذلك الوضع الدولي والإقليمي الذي أشرنا إليه سابقاً والذي يتراجع فيه بسرعة أعداء الشعب السوري.
لا بديل عن التوافق
أياً تكن العقبات التي سيحاول المتشددون من خلالها تعطيل عمل اللجنة، والتي من الممكن التنبؤ بقسم كبير منها، سواء على مستوى العناوين الكبرى أو على المستوى التفصيلي، فإنّ عملية كسر التعطيل ستتسارع، كشأن كل ما يجري بخصوص الأزمة السورية، وسيساعد في ذلك تعرية المعطلين وإظهار ضعف حجتهم ومنطقهم، في كل تفصيل، كبيراً كان أم صغيراً...
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 937