افتتاحية قاسيون 936: الشعب يريد... من لبنان هذه المرة!
دخلت المظاهرات الشعبية العارمة في لبنان يوم الأحد 20 تشرين الأول، يومها الرابع على التوالي، ولا يزال زخمها يتصاعد يوماً بعد آخر.
إنّ الانتفاضة اللبنانية الراهنة، تعيد التأكيد مرة جديدة على ما قلناه مطلع هذا القرن، بل وحتى بعد سنوات قليلة من انهيار الاتحاد السوفييتي، من أنّ عصر انفتاح الأفق أمام الجماهير وانغلاقه أمام أعدائها قادم وقريب، وأنّ الدورية التاريخية لحركة الجماهير هي ظاهرة موضوعية لا تتعلق ببلد بعينه أو بشعب بعينه، بل هي ظاهرة عالمية تشمل كل بقعة امتدت إليها الرأسمالية المأزومة وظيفياً وعضوياً؛ أي إنها تشمل العالم بأكمله.
تعيد انتفاضة لبنان (بالتوازي مع ما يجري في العراق وفي تونس وغيرهما) التأكيد أيضاً، على أنّ رياح التغيير العاتية، رياح موضوعية يولدها التفاوت الطبقي الهائل، التمركز المتوحش للثروة والسلطة في يد قلة تسحق بلا رحمة شعوباً بأكملها، وتغلق أمامها أبواب التنمية، وتدفع ببلدانها نحو أزمات أعمق فأعمق مستندة إلى شتى وسائل تفتيت قوة الناس، الطائفية والقومية والأمنية القمعية، بما في ذلك القمع باسم الوطن وباسم محاربة أعداء الوطن وباسم المؤامرة... إلخ.
إصرار أركان السلطة اللبنانية بتياراتها المختلفة، على الحفاظ على النظام نفسه، سواء منها من يريده كما هو تماماً أو من يريد أن يمتطي الحراك لإعادة تقسيم المكاسب والمناصب، ولكن ضمن النظام نفسه، يؤكد أيضاً ما قلناه مراراً ومنذ 2003 حول موت الفضاء السياسي القديم، والذي انقطعت كل صلة حقيقية له مع الناس، وبات يعيش بعيداً عن همومها، وعلى حساب تلك الهموم بالذات في كثير من الأحيان، ويؤكد أيضاً أنّ فضاءً سياسياً جديداً هو في طور الولادة، فضاء يخرج من الناس أنفسهم ليعبر عنهم حقاً وفعلاً، وهو ما سيجري في لبنان وسورية وكل بقعة في العالم، عاجلاً وليس آجلاً.
في الخصوصية اللبنانية، يمكن أن نضيف أنّه ورغم أنّ الانتفاضة العارمة انفجرت في لحظة يعيش فيها المركز الرأسمالي الغربي، وكذا الأنظمة المتحالفة معه علناً أو سراً، في جوار لبنان القريب والبعيد، أزمة عميقة مستعصية وتراجعاً هائلاً يكاد يشل قدرات التخريب والتدخل على غرار ما جرى في العراق وليبيا وسورية خلال العقدين الماضيين، إلا أن هشاشة التركيبة السياسية الطائفية وتعقيداتها، تعني أنّ أخطار التدخلات ليست غائبة إطلاقاً، بل حاضرة وتحتاج إلى يقظة عالية، والتي بدأت ملامحها الأولى عبر الدفع باتجاه قسم الشارع ضمن الاصطفافات التقليدية والثنائيات الوهمية (8 و14 آذار)، وهذه المحاولات لن تقف عند هذا الحد بكل تأكيد...
إنّ تطوير الانتفاضة ودفعها نحو الأمام يمر عبر طريق واحد: احترام كلمة الشعب، والإصغاء إليه جيداً، والتعلُّم منه، ومساعدته على تنظيم حراكه في كل المناطق، وصولاً إلى تمكينه من اختيار قياداته وممثليه الذين يثق بهم، والذين سيشكلون نواة الفضاء السياسي الجديد، والذين باجتماعهم وتوحيد جهودهم على المستوى الوطني سيفتحون الباب نحو حوار وطني شعبي حقيقي يقوده الشعب نفسه، لا حوار تحاصصي بين الزعامات وأرباب السلطة، حوار يسمح بصياغة برنامج الخروج من الأزمة ودفعه باتجاه التطبيق.
العصر هذا هو عصر الشعوب؛ اسألوا الشعب ماذا يريد...؟
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 936