اصطفافات في منحى الحل السياسي
تتواتر الأحداث في سورية وحولها ضمن اتجاه ثابت، عنوانه الأبرز: السير باتجاه الحل السياسي...
آخر ما سجّل في هذا المنحى، كان القرار التركي القاضي بتصنيف جبهة النصرة كمنظمة إرهابية، ما يعني موافقة مكشوفة على أية عملية عسكرية ضد التنظيم، الأمر الذي من شأنه أن يحدث فرزاً سريعاً بين الجماعات المسلحة هناك، بمعنى تحييد بعضها، والقضاء على بعضها الآخر، وبالتالي إعادة محافظة إدلب إلى سلطة الدولة السورية.
وفي السياق نفسه كانت زيارة وزير الخارجية السعودي إلى موسكو، بالتزامن مع زيارة الوزير وليد المعلم، والإشارات التي حملتها تصريحات الجبير، فيما يتعلق بالوضع السوري، والتي تشير إلى إمكانية حدوث انعطافة في الموقف.
هذه المواقف المستجدة من قبل أهم قوتين إقليميتين كانتا حتى الأمس القريب، معرقلتين لأي حل للأزمة السورية، يعزز تلك الحقيقة التي تقول: إن قوى الحل السياسي على المستوى الدولي، وتحديداً روسيا الاتحادية، تسير بخطى ثابتة إلى الأمام، وأنها قادرة على تطويع كل المواقف، بما يخدم الهدف الأساس، أي: الحل السياسي للأزمة السورية. وبالإضافة إلى ذلك يأتي تماسك ترويكا أستانا، وعجز واشنطن عن الإيقاع بينها رغم المحاولات المستمرة، عاملاً ذا تأثير مركزي في عموم التطور الجاري باتجاه الحل، وخصوصاً مسألة تشكيل اللجنة الدستورية.
إن اللحظة السياسية الراهنة فيما يتعلق بالوضع السوري، هي لحظة تجميع كل التراكم السابق الذي حدث، وبدأ يعطي نتائجه الملموسة على الأرض، من خلال التراجع المضطرد في دور العمل العسكري عموماً، الذي يعتبر شرطاً أساسياً ولكن غير كافٍ... مما يستوجب استكمال المهمة باستئناف العملية السياسية من خلال استئناف مفاوضات جنيف باعتبارها الوعاء الذي سيجتمع فيه بالمحصلة كل الحراك المتعلق بحل الأزمة السورية.
تنضج الظروف أكثر فأكثر باتجاه تطبيق القرار 2254، كخريطة طريق نهائية للحل، وإنْ كانت العملية تجري حتى الآن ببطء وعلى مراحل، فالمهمة الملحة المتجسدة بتشكيل اللجنة الدستورية كمهمة راهنة، من شأنها أن تكسر محاولة العرقلة، التي لم تصمد كالعادة أمام إصرار الحليف الروسي، ووضع جميع القضايا على طاولة البحث، بما فيها معالجة الوضع الخاص في الشمال الشرقي. وسيأتي ذلك عبر تمثيل تيار الإدارة الذاتية في كل المفاوضات المتعلقة بالعملية السياسية، وتوفير الضمانات اللازمة بما فيها لامركزية إدارية موسعة، والعمل على إنهاء الاحتلال الأمريكي بمختلف الأشكال.
إن مرحلة ما بعد إدلب، وما بعد تشكيل اللجنة الدستورية هي مرحلة تحويل «كمون الحل» إلى فعل ملموس، وإجراءات ميدانية على الأرض، تستكمل عملية القضاء على الإرهاب وإنهاء وجوده بالتوازي مع عمل دبلوماسي وسياسي تؤدي بالمحصلة إلى بحث السلال الأربع.