«فوضى خلاقة» بنكهة تركيّة

«فوضى خلاقة» بنكهة تركيّة

تفيد الأخبار الواردة من منطقة عفرين، إلى استمرار جيش الاحتلال التركي بمنع عودة أهالي عفرين، إلى بيوتهم في بلدات وقرى المنطقة، حيث يقيم ما يقارب مئة وخمسين ألف منهم في العراء، في ظروف إنسانية قاهرة، وفي ظل انعدام أدنى متطلبات الحياة، في الوقت الذي تم فيه توطين مئات المسلحين وأسرهم في بيوت وقرى منطقة عفرين..

 

إن خطر السياسة التركية، عدا عن أنها قوة احتلال، فإنها بهذه الممارسات إنما تؤدي إلى زرع صواعق تفجير، يمكن الاشتغال عليها، من كل القوى التي لا تريد إنهاء الأزمة السورية، وهي بذلك تعمل ضد روح ونص اتفاقات خفض التصعيد، وتتخادم على طول الخط مع استراتيجية «استدامة الإشتباك» الأمريكية، وإذا أخذنا بعين الاعتبار الطبيعة السكانية للمنطقة، حيث الأغلبية الساحقة هم من المواطنين السوريين الأكراد، وتوطين غيرهم، واستمرار التهديدات التركية حول عموم الشمال السوري، متذرعة بوجود الاحتلال الأمريكي ودعم قوات الحماية الكردية، فإن المشكلة تصبح مركبة، من حيث درجة التعقيد ومستوى التشابكات القادمة، حيث يمكن أن تتحول إلى بؤرة توتر إقليمية، وساحة تنازع دولي، ومستنقع احتقان سوري_ سوري جديد.
لا شك أن المواقف غير المفهومة لبعض القيادات في قوات الحماية، قدمت الذريعة تلو الذريعة لتركيا، بالتدخل، وخصوصاً عندما رفضت قيادة هذه القوات المبادرة الروسية، لا سيما، وأن قوات الحماية، وبناها السياسية تحاول احتكار القرار الكردي، وتمنع أية قوى كردية أخرى سياسية أو مجتمعية في مناطق الشمال السوري، من الاجتهاد والبحث عن حلول. إن المسؤولية الوطنية السورية، والمسؤولية القومية تجاه المواطنين الاكراد، تفرض على هذه القوات الخروج فوراً من لعبة التجاذب الدولي والإقليمي الخطرة، والاصطفاف مع القوى الدولية والإقليمية والسورية التي تسعى إلى الحل السياسي للأزمة السورية، الذي يعتبر المدخل لوضع كل القضايا على جدول الأعمال، بما فيها طرد القوات التركية، وبحث المسألة الكردية في سورية.. ولكن بكل الأحوال، فإن ذلك يجب ألا تتخذ كشماعة لتبرير دور تركيا التي تجاوزت الحدود كلها، من انتهاك السيادة السورية، إلى جعل الساحة السورية ساحة لتصفية حساباتها مع حزب العمال الكردستاني، إلى منع مواطنين سوريين من العودة إلى بيوتهم وأماكن إقامتهم، وتوطين سوريين آخرين بدلاً عنهم، وتوتير الوضع السوري على عكس الدور المفترض لدولة ضامنة، ناهيك عن موقفها من العدوان الغربي الأخير على سورية، مما يضع وجود تركيا ذاتها في الترويكا قيد البحث.
وفي السياق نفسه، إن مبادئ القانون الدولي، وطبيعة الترويكا نفسها، ووظيفتها المتفق عليها، التي تحددت منذ إعلان موسكو التأسيسي، تفرض على الطرفين الضامنين الآخرين، «روسيا وإيران» لجم المحاولات التركية لتمرير أجندتها الخاصة، وردع سياسة الابتزاز التي تمارسها تركيا مع مختلف الأطراف، مستفيدة من مستوى التوتر في العلاقات الدولية، والصراع الجاري حول تثبيت ميزان القوى الدولي الجديد.