منظمة شنغهاي: اختراق جديد
أصبح من الواضح، أن العالم اليوم وبعد سلسلة الإخفاقات السياسية الأميركية والعسكرية في أفغانستان والعراق، والأزمة الاقتصادية العالمية والانكماش والركود في الولايات المتحدة وأوروبا، بدأ يفتش عن بدائل ووسائل جديدة لقيادة العالم بطريقة أكثر استقراراً وأمناً، وأقل تفرّداً وهيمنة أحادية ليصبح أكثر توازناً واستقراراً.
ومن الاطر الدولية التي تشكلت على هذا الاساس كانت «منظمة شنغهاي»، التي تعتبر تحالفاً جديداً يضم حوالي نصف سكان العالم ويمتلك نحو 40 مليون كلم2 من مساحة الكرة الأرضية، ويشمل أربع دول نووية وأخرى على العتبة النووية (إيران) وربما كوريا الشمالية في ما بعد؟!
ترى هل هذا حلف جديد في وجه التمدّد الأطلسي الأميركي - الأوروبي؟ أم أنه دفاع «قلب العالم» عن نفسه، كما يصفه علماء الجيوبوليتيك، أمام هجوم الدولة البحرية الأقوى (الولايات المتحدة) كما يقول بريجنسكي في كتابه «لعبة الشطرنج الكبرى».
تعتبر هذه المنظمة تجسيداً لرؤية روسية - صينية لعالم ما بعد النيوليبرالية (Post - Neoliberalism)، ورداً آسيوياً على العولمة بمفهومها الغربي «لأمركة العالم»، بعيد سقوط الاتحاد السوفيتي، كما أن دعوات أعضائها للحوار بين الحضارات المختلفة تشكّل جواباً على بطلان دعاوى «صراع الحضارات» التي نادى بها هنتغتون كتفسير لمسيرة التاريخ الحضاري للبشرية، كذلك هي إشارة على أن التاريخ لم ينتهِ كما بشّر المفكر الأميركي فوكوياما في كتابه «نهاية التاريخ».
انضمام الهند وباكستان
تألفت «منظمة شنغهاي للتعاون» من ست دول دائمة العضوية هي: روسيا، الصين، طاجكستان، قيرغيزستان، كازاخستان وأوزبكستان. وبانضمام الهند والباكستان، كدولتين ذات ثقل اقتصادي وبشري، رغم الخلافات التاريخية المزمنة بينهما، تكون المنظمة قد عززت شكلاً جديداً في العلاقات الدولية، قائم على التوافق، وخطت خطوة أخرى باتجاه تأكيد وتثبيت تغير موازين القوى الدولية، وبناء قطب دولي جديد، له تأثيره على الصعيد الجيوبوليتيكي والجيوستراتيجي العالمي.
سِمة العصر
إن التبدّل الحاصل على الصعيد الدولي المعاصر والرغبة في السلام والتنمية المستدامة، وتعزيز التعاون المتوازن أصبحت إحدى ضرورات المرحلة الراهنة، وصولاً إلى بناء نظام عالمي جديد. ويعتقد أعضاء المنظمة أن التعاون الدولي هو أداة أساسية وفعّالة لاحتواء الأخطار والتحديات القادمة، خصوصاً الأزمة الاقتصادية والمالية العالمية، وتأمين موارد الطاقة، والأمن الغذائي، كذلك مشاكل تغير المناخ وتداعياته، ويدعو أعضاء المنظمة المجتمع الدولي للعمل سوياً لإعادة صياغة نظام مالي واقتصادي عالمي قائم على العدالة والمساواة يضمن حقوق الفوائد وعدالتها لكل المشاركين، ويسمح للجميع بالاستفادة من فوائد العولمة بشكل مناسب، ويشدّد أعضاء المنظمة على ضرورة حماية وتأمين المعلومات الدولية كأساس في النظام الأمني العالمي المشترك. وتدعو الدول الأعضاء إلى تعزيز مركزية ومشاركة منظمة الأمم المتحدة في العلاقات الدولية، وتفعيل آليات عملها لتتواءم مع مخاطر العصر وتحدياته، وإصلاح مجلس الأمن من خلال ضمّ عدد أكبر من الدول الى عضويته فلا يبقى حكراً على الخمسة الكبار.
أبعاد اخرى
على الرغم من أن إعلان تأسيس المنظمة لم يشر إلى الجانب العسكري، فإن روسيا والصين ودول المنظمة قامت بإجراء مناورات عسكرية مشتركة أكثر من مرة. فقادة دولها توسّعوا في أهداف المنظمة لتشمل إلى جانب مكافحة الإرهاب والمخدرات والجرائم عبر الحدود ومواجهة حركات الانفصال والتطرف الديني أو العرقي، إنشاء منطقة للتجارة الحرة بين دولها، وإنشاء مشروعات مشتركة في قطاع النفط والغاز والموارد المائية، كذلك إنشاء مصرف مشترك والسعي إلى إصدار عملة موحّدة فيما بينها.
تركيا مرشح محتمل
إنّ اتجاه تركيا نحو روسيا مؤخراً بخطوات عديدة، وخلافها الواضح مع الولايات المتحدة وأوروبا، وفقدانها الأمل بالانضمام إليها، يفتح الطريق أمامها لتكون منظمة شنغهاي بديلاً لتركيا عن أوربا، وسبق أن صرح السفير الصيني لدى أنقرة، يو هونغ يانغ، أن بلاده ترحب بفكرة انضمام تركيا إلى «منظمة شنغهاي للتعاون»، وأبدت استعدادها للتعاون مع المسؤولين الأتراك في هذا الإطار.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 814