التصعيد ضد «مناطق وقف التصعيد»
جاء المقترح الروسي بخصوص مناطق تخفيف التوتر على الأراضي السورية، الذي تبناه اجتماع أستانا الأخير، مبادرة جديدة في سلسلة المبادرات الإبداعية لحل الأزمة السورية، فهو من جهة يؤرض المشروع التركي - الأمريكي القائم على إقامة مناطق آمنة بالطريقة التقليدية، التي كانت عادة أداة تثبت نفوذ القوى الدولية المهيمنة على أراضي الدول الأخرى، ومن جهة أخرى يساعد اتفاق أستانا على تثبيت الهدنة، وتوسيع الرقعة التي تشملها، وإيقاف الأعمال القتالية على الأراضي التي حددها الخبراء العسكريون في المناطق الأربع، وإحداث الفرز المطلوب بين المسلحين على أساس الموقف الفعلي من الحل السياسي، وإمكانية توحيد بنادق السوريين ضد الإرهاب، وإدخال المساعدات الإنسانية، وتنقل الأفراد.
وعلى هذا الأساس، فإن نتائج هذه الجولة من مفاوضات أستانا، والتي جرت بمشاركة دولية أوسع، وبحضور ممثلي الفصائل المسلحة، والقوى الإقليمية النافذة في الأزمة السورية، والمبعوث الدولي الخاص، والدعوات الواضحة بإمكانية مساهمة قوى دولية أخرى في عمليات الرقابة بالإضافة إلى الدول الضامنة، والاتفاق الموقع، على أساس فترة زمنية محددة، تعتبر كلها خطوات متجددة تساهم في تثبيت وتعزيز اتفاق وقف إطلاق النار، وتقدمه إلى الأمام، وتسحب الذرائع المفتعلة التي استخدمتها أطراف متعددة على طريق دفع العملية السياسية الجدية؛ وبالإضافة إلى ذلك، إن نجاح أستانا، قطع الطريق على تلك القوى التي سارعت إلى نعي العملية السياسية، بعد الضربة الأمريكية العدوانية الاستعراضية على مطار الشعيرات، وأكد بالملموس، أن الحل السياسي خيار ثابت، وإن تأخر، وأنه خيار وحيد، وإن تعددت محاولات منعه أوتمييعه وإفراغه من محتواه، وأن القوى الدولية الصاعدة التي تعمل من أجله، هي قوى تمتلك الجدية اللازمة، والطاقات والأدوات الكافية لحمايته، ورعايته ونجاحه، رغم محاولات العرقلة كلها، ومن هنا تتجلى أهمية عملية أستانا برمتها، ونجاح هذه الجولة منها بشكل خاص، كإطار مكمل لعملية جنيف، ولعل هذا كله يفسر الحملة الإعلامية، رفضاً أو تشكيكاً، أو تشويهاً ضد الاتفاق، تحت راية التباكي على وحدة الأراضي السورية، في سياق تقديمه على أنه تقاسم لمناطق النفوذ.
إن الموقف العملي من اتفاق مناطق «وقف التصعيد» يعتبر مقياساً للموقف من الحل السياسي، والموقف من الحل السياسي عبر مسار جنيف، وعلى أساس القرار 2254 وكما أكدنا مراراً، هو معيار الوطنية السورية، ولأن الاتفاق جاء خرقاً جديداً باتجاه الحل السياسي المنشود، وتسريعاً له، فإنه يعتبر ضمانة للحفاظ على وحدة سورية، وإفشال أوهام ومحاولات التقسيم والتفتيت كلها، وهو السبيل إلى إيقاف الكارثة الإنسانية، ومكافحة الإرهاب وخروج القوات الأجنبية من الأراضي السورية كلها، وصولاً إلى حق الشعب السوري في التغيير الوطني الديمقراطي الجذري الشامل.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 809