الحريات والسلم الأهلي..

تمتاز بنية مجتمعات العالم الثالث بأن مكونات ما قبل الدولة الوطنية، المكونات الدينية والطائفية والعشائرية والقومية، تلعب دوراً بارزاً في تحديد المحصلة النهائية لنشاط تلك المجتمعات السياسي والاقتصادي وحتى الثقافي. يعود السبب في ذلك إلى تهتك الثقافة الوطنية الجامعة، التي ترتكز بدورها إلى اقتصادٍ تابع تكاد تنعدم هويته الانتاجية مترافق مع مستوىً متدن جداً من الحريات، وسورية ليست بعيدة عن هذا التوصيف..

تمتلك سورية تنوعاً هائلاً في تركيبة مجتمعها، وذلك لجهة التنوع القومي والديني والطائفي، الأمر الذي يدفع بالبعض إلى الاشتغال على مفهوم السلم الأهلي من باب التعايش الذي يعني ضمناً أنه من غير الطبيعي أن تكون هذه المكونات مجموعة في تكوين سياسي وجغرافي واحد، وإنما هي متعايشة مع بعضها تعايشاً يحمل نذر الانقلاب عليه في أية لحظة..
تفيدنا التجربة التاريخية لشعوب أخرى تمتلك ما نمتلك من تنوع بأن الحل الوحيد لهذا التنوع هو الانتقال من كونه مشكلة إلى كونه عامل قوة واستقرار، الأمر الذي لا يمكن تحقيقه إلا بالعمل على جبهتين متوازيتين:

العوامل الموحدة:
ينبغي إعطاء الأهمية الكبرى للعوامل التي توحد التكوينات المختلفة للمجتمع والتي تتمثل أساساً بالجانب الوطني والذي لا يجب اختزاله أبداً إلى الصراع مع الخارج، وإنما إلى تبريز الصراعات الداخلية الحقيقية، الصراع بين أصحاب الأجور وأصحاب الأرباح، بين المستغلين والمستغلين، الصراع من أجل تنمية المجتمع ونموه..

إبراز الاختلاف:
تتعامل دول العالم الثالث بكثير من التقية مع مكوناتها، حيث تنحو منحى الاعتراف الشكلي بالتنوع مع عدم السماح له بالظهور، الأمر الذي يفاقم عوامل الانقسام نتيجة الاحساس المستمر بالاستبعاد والاقصاء، في حين أن المطلوب هو اعطاء التنويعات المختلفة حقوقها السياسية والثقافية كاملة ضمن إطار مواطنة عامة تجمعها، فما الضير مثلاً بأن يدرس السوريون الأكراد بلغتهم القومية، وبأن تكون لهم إذاعاتهم وفضائياتهم الوطنية الناطقة بلغتهم؟ وكذلك الأمر مع السريان والأشوريين.. الخ
إن إخفاء هذا التنوع لن يفعل سوى أنه سيفتح الباب واسعاً أمام مشعلي الشقاق الأهلي لكي يعبثوا بالسلم الأهلي تحت شعارات ظاهرها حق وباطنها باطل..

معلومات إضافية

العدد رقم:
542