بعد البيان الحكومي: الأسئلة الكبيرة دون أجوبة
بعد تقديم الحكومة لبيانها أمام مجلس الشعب في 15/12/2003 وبعد إقرار الموازنة العامة لعام 2004، بقيت الأسئلة الكبيرة نفسها دون أجوبة.
لم يخرج البيان الجديد عن منطق البيانات السابقة فقد بقي عاماً وضبابياَ دون تحديد لسلم الأولويات مما لن يسمح بصياغة برنامج حقيقي للعمل، وطبيعي ان ينعكس ذلك على الموازنة التي هي الأداة الرئيسية بيد الحكومة لتنفيذ سياستها.
فكيف ببيان فيه 235 بنداً غير مجدولة على أساس الأولويات أن يتحول إلى أداة عمل حقيقية.
وفي كل الأحوال بقي الغائب الأساسي والكبير في البيان هو:
1. التزام الحكومة بنسبة نمو محددة ولو على الأقل ضمن منطق برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي توخى الوصول إلى نسبة 6% نمو دخل وطني بعد سبع سنوات، ومع كل تحفظنا على هذه النسبة غير المبررة علمياً وعملياً إلا أن بيان الحكومة لم يشر لا من قريب ولا من بعيد إلى سعيه لتنفيذ هذه المهمة.
وطبيعي أن ينعكس ذلك على الموازنة وحجمها وبنيتها التي لن تخرج عملياً بهذه الحال عن الموازنات السابقة التي كان هاجسها الجباية والتحصيل الذي تحول إلى عائق للنمو الاقتصادي وإلى محفز لتعميق الهوة بين مستوى المعيشة من جهة وبين الرواتب والأجور من جهة أخرى.
إن الهروب من استحقاق الالتزام بتحديد نسب نمو عالية لن يؤدي إلاّ لزيادة تعقد الوضع الاقتصادي وبالتالي الاجتماعي مع كل الآثار السلبية التي يحملها ذلك على الوضع السياسي نفسه في ظل الأوضاع الخطيرة جداً التي تواجهها منطقتنا وبلادنا.
إن كل الأبحاث والدراسات تؤكد أن المصلحة الوطنية العليا تتطلب مضاعفة الدخل الوطني الحالي خلال فترة سبع سنوات على الأكثر، فلمصلحة من تأخير الإقلاع بهذا الاتجاه؟.
2. في ظل بقاء الهاجس الأساسي للبيان والموازنة التحصيل والجباية من مجموع السكان، بقي خارج القوس: المعالجة الجدية للفاقد الاقتصادي الكبير الذي يشفط عبر نهب أموال الدولة والشعب والذي يصل إلى 25% وسطياً من الدخل الوطني، إن عدم معالجة هذا الوضع بجرأة سيبقي النهب الكبير العائق الأساسي للنمو ولتحسين مستوى معيشة الفئات الواسعة من السكان، فلمصلحة من السكوت عن النهب الذي تقوم به «مافيات» يستفيد منه قلة قليلة جداً على حساب الوطن والمواطن؟.
3. لذلك كان من الطبيعي أن يبقى موضوع التحسين الجذري التدريجي لمستوى معيشة الشعب عبر إعادة الاعتبار للأجر والراتب خارج دائرة اهتمام البيان الحكومي والموازنة العامة. إن السير بالوتيرة المقترحة لتحسين الرواتب والأجور سيتطلب على الأرجح 20 عاماً لردم الهوة بين الأجور والأسعار وهو أمر لا تحتمله البلاد والعباد.
إن الانطلاق من روح المسؤولية العالية تجاه الوطن ومصير البلاد يتطلب من جميع الشرفاء أينما كانوا، أن يوحدوا جميع جهودهم وأن يتكاتفوا لوضع حلول للمهام الكبرى: من إيقاف للنهب وتأمين نسب نمو عالية وتحسين سريع لمستوى معيشة الشعب، لأنه دون ذلك ستبقى تلك الثغرة التي يستفيد منها الأعداء قائمة، وهذا أمر لا يمكن لأي وطني أن يسمح باستمراره في ظل استشراس الإمبريالية الأمريكية وحليفتها إسرائيل العدوانية اللتين ستحاولان الاستفادة من أية نقطة ضعف للنفاذ منها للقضاء على كرامة الوطن والمواطن.