ليبق بيت الرفيق خالد بيتاً للحزب والوطن حقبة تاريخية حافلة بالعمل والنضال الوطني والطبقي
ينبغي أن يكون واضحاً تماماً أن المركزية الديمقراطية لا يجوز أن تؤدي إلى كبت مبادرات الرفاق، أو أن يفرض عليهم رفاق لا يتمتعون بثقتهم.”
خالد بكداش
من التقرير السياسي المقدم إلى المؤتمرالسادس للحزب
منذ دخلت ميدان السياسة واقتربت من صفوف الحزب الشيوعي السوري ثم انتسبت إليه في أوائل الخمسينات.. وإلى اليوم يشدني دائماً وأبداً بيت الرفيق خالد بكداش.. هذا البيت القديم المبني من اللبن والطين. فقد دخلته لأول مرة مع مجموعة من الشباب اليافعين بعراضة شعبية للمشاركة في تهنئة الرفيق خالد بانتخابه عضواً في المجلس النيابي «البرلمان» عام 1954 ومنذ ذلك اليوم وصورة هذا البيت الشعبي تملأ خيالي وبخاصة وأنا أتذكر أفواج الرفاق والأصدقاء الذين توافدوا عليه في شتى المناسبات الوطنية والطبقية.
شريط الذكريات
يعود شريط الذكريات ليحملني إلى الماضي البعيد والقريب وتتراءى أمام عين الخيال نشاطات الرفاق واجتماعاتهم ولقاءاتهم التي تمت بين جدرانه العالية.
فهذا البيت كما يعرف الكثير الكثير من الرفاق والرفيقات هو بيت عربي يتألف من فسحة داخلية واسعة تحيط بها من كل الجوانب أحواض الورود وتنتصب فوقها أشجار كبيرة مثمرة وغير مثمرة تظلل الساحة بأفيائها أكثر ساعات النهار، وخلف الأحواض ترتفع ثلاث غرف أرضية ومطبخ وحمام. وفي الجهة الشمالية الشرقية غرفتان علويتان. وقرب باب البيت الرئيسي من الداخل شجرة نخيل باسقة زرعت عام 1954 وهي الآن تشكل مَعْلماً مميزاً يراها الناس من مسافات بعيدة وكأنها تقول للجميع هنا بيت خالد بكداش.
بيت وطني
وقصة هذا البيت الوطني العريق هي جزء هام من قصة نضال الحزب وتراثه الغني.. ولا أغالي إذا قلت هي جزء هام من قصة حياة المئات والمئات من الرفاق الذين ضمهم هذا البيت في مختلف المناسبات، وبشكل خاص الرفاق الذين عملوا في حماية هذا البيت على مدى عقود من الزمن. والذكريات في هذا المجال لا يمكن حصرها أو تحديدها.
تنشيطاً للذاكرة
ففي إحدى غرفه الأرضية طبعت أول صحف الحزب «صحيفة المطرقة والمنجل» وفي ظل أشجاره أمضى الرفيق خالد معظم أوقات وجوده في دمشق يقرأ ويدرس ويحلل ويكتب المقالات والكراسات والخطب والأدبيات الحزبية والفكرية ومنه اعتقل أول مرة عام 1931.
لقد زارته معظم شخصيات ورجالات البلاد وغالبية الوجوه الشعبية والاجتماعية في دمشق وبقية محافظات الوطن رجال سياسة وفكر، وأعلام أدبية وفنية، ولعل في ذكر بعض أسمائهم تنشيطاً لذاكرة من أصابه النسيان من هذه الأسماء: أحمد جودت الهاشمي، الشيخ محمد الأشمر، بشير العظمة، خالد العظم، الشيخ أحمد كفتارو، علي بوظو، رياض المالكي، وآخرون.. والعديد من قادة أحزاب وحركات التحرر الوطني في العالم.
إنه يرمز إلى حقبة تاريخية حافلة بالعمل والنضال الوطني والطبقي وهو منارة ستظل تضيء أمام الجميع. وفي الحفاظ عليه وفاء لذكرى مئات بل آلاف الشيوعيين الذين كانوا دائماً وأبدا ً يبعثون في أرجائه الحياة النابضة بالعمل والأمل، إنه الحاضن للنشاط السياسي الذي لم يتوقف يوماً حتى في عهود الديكتاتوريات العسكرية والقمع السياسي. لقد بقي شامخاً شموخ الرفاق الأشاوس الذين شقوا أمامنا بأظفارهم درب الحزب الطويل وسقوه من دمائهم ليغدو واقعاً أصيلاً وأساسياً في حياة شعبنا ووطننا.
وأذكر مرة أننا، ونحن نساهم في تنظيفه وترتيبه لاستقبال الرفيق خالد بعد زيارة عمل إلى الاتحاد السوفياتي.. جمعنا الجرائد والكتب والأوراق المتناثرة في غرفة النوم على السرير والطاولة والكراسي. أذكر كيف استلقى رفيقنا أبو إبراهيم على السرير ثم نهض ضاحكاً وهو يقول:
أبو عمار ينام على هذا السرير؟! والله إن السرير الذي أنام عليه أفضل وأريح من هذا السرير عشرين مرة..
لقد أوردت هذه الحادثة لمجرد المقارنة بين ما كان وما هو كائن الآن. وقبل قرابة عشر سنوات شيدت صالة كبيرة فوق الغرفتين الأرضيتين من الجهة الشمالية الغربية.
وقبل ذلك بسنوات وخلال المؤتمر السادس للحزب تحدث الرفيق خالد عن هذا البيت الذي درج فيه طفلاً وعاش شاباً ورجلاً وقائداً مناضلاً. فقال: إنني أتنازل عن حصتي في هذا البيت ليبقى بيتاً للحزب. وقد اشترى الحزب حصص أخوة الرفيق خالد.. وأقر المؤتمر بالإجماع الحفاظ على البيت ليكون متحفاً يضم تراث الحزب السياسي والفكري ووثائقه وصحافته.
إن الواجب يقتضينا جميعاً أن نحافظ على بيتنا.. بيت الحزب.