النهب والفساد..وجهان لعملة واحدة

يثير موضوع الفساد الاهتمام بين أوساط واسعة ومن منطلقات مختلفة، وإذا كان هذا الفساد منتشراً بالطول والعرض كما يقول بعضهم، فيجب البحث عن أسبابه الأساسية من أجل استئصالها، مما سيؤدي إلى تراجع الظاهرة ووضع حد لها.

هناك نوعان من الفساد: فساد أولئك الموجودين «فوق» وفساد أولئك الموجودين «تحت».

واضح أن سبب انتشار ظاهرة الفساد «تحت» هو انخفاض مستوى المعيشة وعدم قدرة القسم الأعظم من الأجور على تلبية الحد الأدنى الضروري للمعيشة، مما يؤدي إلى دفع جزء من هؤلاء دفعاً للبحث عن مصادر إضافية على الدخل، ويصبح الدخل غير المشروع أحد هذه المصادر عند قسم من أصحاب الدخل المحدود. أي أن هذا النوع من الفساد له ضرر اجتماعي واسع وعميق أكثر بكثير من ضرره الاقتصادي المباشر.

وجواباً على سؤال: لماذا عدم قدرة الأجور على تلبية متطلبات المعيشة؟ نصل إلى بيت القصيد: إن السبب الجوهري يكمن في حجم الفساد «فوق» الذي يمارس نهباً جدياً للاقتصاد الوطني ومنذ سنوات عديدة.إن ناهبي قوت الشعب عبر نهبهم للدولة ومواردها المختلفة يخلقون الأرضية الواسعة للفساد. فهم من جهة، يحدون بنهبهم القوة الشرائية للأجور، ومن جهة أخرى يدفعون أوساطاً واسعة للفساد «الصغير» ويغمضون العين عنه بهدف القبض على الأعناق كما عبر بحق أحد المفكرين.

وليس جديداً القول إن هذا النهب مارسته البرجوازية الطفيلية بالتواطؤ مع البرجوازية البيروقراطية، وقد طال بشكل دائم جزءاً هاماً من الدخل الوطني يصل إلى حدود 20% منه كما يقدر المختصون وهو بحجمه التراكمي عبر السنوات، عشرات المليارات من الدولارات التي أنتجت بحجبها عن الاقتصاد الوطني المشكلة الاقتصادية الاجتماعية التي نعيشها اليوم من انخفاض مستوى معيشة إلى الحد من القدرة على الاستثمار وصولاً إلى البطالة الواسعة.

والملفت للنظر اليوم أن بعض الأوساط العالمية والمحلية التي خططت وشجعت على النهب سابقاً ترفع اليوم لواء النضال ضد الفساد وعلى رأسها صندوق النقد الدولي، فهذا الصندوق الذي وسع النهب بوصفاته مع الطغم المحلية في العالم الثلث آنذاك، في السبعينات والثمانينات، انتبه اليوم فجأة لضرورة محاربة الفساد.

كما أن أوساط البرجوازية الطفيلية المحلية التي استفادت من عملية النهب التي جرت ليس أقل من البرجوازية البيروقراطية، تنبري اليوم وبكل وقاحة لمحاربة الفساد الذي ساهمت بصنعه. فما السر؟

إن مفتاح فهم هذا اللغز يكمن في الأزمة الخانقة التي يعيشها الاقتصاد الرأسمالي العالمي اليوم والتي تنبئ بهزات يمكن أن تصل إلى حد الزلزال. فالأرباح تنخفض والحالة تضيق، وكي تحافظ الطغم المالية والمحلية على مستوى أرباحها السابق لا حل أمامها إلا إخراج اللاعبين الصغار من الحلبة وكذلك بعض اللاعبين الكبار وكل هذا يتم تحت شعار محاربة الفساد الذي بطرحه يضيع الحابل بالنابل وتضيع الحدود بين الناهب الكبير والسارق الصغير، ويتم وضع الأساس لقوننة النهب نفسه بشكل شرعي لاحقاً.

إن محاربة الفساد، كي تكون جدية وكي تصل إلى نهايتها المنطقية وكي تؤدي الغرض المطلوب منها، يجب أن تربط ربطاً محكماً بمحاربة النهب الذي تمارسه الاحتكارات العالمية المتواطئة مع البرجوازية الطفيلية والبرجوازية البيروقراطية.

ومحاربة النهب لا يمكن أن تتم إلا بكسر الآليات التي سببته وبإغلاق المنافذ والمخارج التي يستخدمها وهذا أمر ممكن.

 

إن الأضرار التي سببها هذا النهب لشعبنا ووطننا واقتصادنا الوطني والدولة هائلة والمبالغ التي نهبها كبيرة لدرجة أنه لا يمكن أن تتم حولها أية مصالحة، والحل هو الاعتماد على الجماهير الشعبية وإطلاق الحريات الديمقراطية، السلاح الأساسي في محاربة النهب والفساد اللذين هما وجهان لعملة واحدة.