بقلم هيئة تحرير «قاسيون» بقلم هيئة تحرير «قاسيون»

إغضاب قوى السوق والسوء أسهل من إرضائها

كما هو متوقع،  تتابع قوى السوق ضغطها للحصول على أقصى ما يمكن من مكاسب داخلية في ظل التغييرات الإقليمية الحاصلة بسبب تداعيات الاحتلال الأمريكي للعراق. وهي في ذلك تستند ضمناً وعلناً  للخطاب الأمريكي الإنذاري الوصائي التهديدي. وإذا كان هذا الخطاب ينذر ويتوعد ويحاول فرض إملاءات فإن قوى السوق مستفيدة من هذه اللحظة، ومدعومة من قبل قوى السوق العالمية التي تحاول مع قوى السوء المتواجدة في جهاز الدولة فرض خياراتها الجديدة  بتقاسم حصص نهب الدولة والشعب في مرحلة مابعد الحرب الأمريكية على العراق.


وفي مواجهة ذلك تحاول القوى «النظيفة» في المجتمع والدولة أن تمنع تقدم قوى السوق الساعية إلى جانب سلطتها الاقتصادية الواسعة، إلى قضم جزء من السلطة السياسية وصولاً إلى السيطرة عليها إن أمكن، وهي واعية بأنه في ظل تناسب القوى الحالي عالمياً وإقليمياً، إن كان صعباً منع هذا التقدم لكنه ليس مستحيلاً وفي أسوأ الأحوال يمكن ويجب إعاقة هذا التقدم لأقصى فترة ممكنة.

فما هي بعض ملامح  الضغط الذي تمارسه قوى السوق:

■ إنها تريد، من خلال فتح المصارف الخاصة، إنهاء احتكار سيادة  الدولة على الليرة السورية التي هي عامل هام من عوامل السيادة الوطنية وبحكم ارتباطها بقوى المال العالمية فهي قادرة على نقل مركز «التحكم» إلى السوق إذا تمت هذه الخطوة بحجة تحرير العملة الذي سيصبح تقييداً وتكتيفاً لها من الصعب الفكاك منه.

■ إنها تريد تحرير الأسعار، وخاصة المشتقات النفطية بحجة التماثل مع الأسعار في الأسواق المجاورة، من أجل تحميل مؤسسات الدولة فروقات رفع الأسعار والضغط لاحقاً من أجل تخصيص الشركات العامة المتخصصة في توزيع الكهرباء والماء والوقود بحجة خسارتها، التي سيجري بعد التحكم بها، عبر نظام تسعير جديد، نهب جديد لشركات الدولة الإنتاجية المتخصصة في هذا المجال، وكذلك لمجموع أصحاب الدخل المحدود بحجة مواجهة الهدر المتمثل بالفاقد الكبير في مجال الكهرباء والماء.

■ إنها تريد خصخصة قطاعات هامة بنتها الدولة خلال العشرات من السنين وخاصة الصناعات الغذائية والنسيجية، والتي لعبت دورا ًهاماً في نمو الدخل الوطني، وهي إن كانت تعاني من مصاعب الآن فهي مصاعب ليست ناتجة  عن خسارتها وإنما ناتجة عن تخسيرها بسبب سياسة النهب المنظم التي تتعرض له منذ سنوات وسنوات.

وليس من نافل القول التذكير بأن كل ذلك يتم بحجة تأمين موارد إضافية تؤمن زيادة الاستثمارات لاحقاً في الاقتصاد الوطني. إن تجربة الذين ساروا على طريق «التحرير» والخصخصة أثبتت أنه، وإن زاد حجم الاستثمار، لكنه انعكس سلباً على مستوى معيشة الناس وحياتهم. فالنمو والاستثمار ليس هدفاً بحد ذاته، إذا كان ثمنه السيادة الوطنية ولقمة الناس.

إن الشعب السوري وقواه الوطنية كانا دائماً سباقين في مواجهة الاستعمار وإسقاط مخططاته واليوم يضعه التاريخ على المحك مرة أخرى سيثبت فيها أن الكرامة الوطنية والسيادة الوطنية لامساومة عليها، وأن الطريق نحوها لايمكن أن يمر إلا عبر السيادة على القرار الاقتصادي الاجتماعي المدعم بشعب سيد على نفسه وقادر على ضرب المثل في التوفيق بين المهام الوطنية والاقتصادية  ــ الاجتماعية والديمقراطية، لذلك فإن إيجاد الشكل المتقدم الملموس للوحدة الوطنية بين جميع القوى الوطنية والمعادية للمخططات الأمريكية الصهيونية داخل الجبهة وخارجها يصبح أمراً لايقبل التأجيل على أرضية الثوابت الوطنية بجوانبها المختلفة: العامة والاقتصادية الاجتماعية والديمقراطية.