أين الأحزاب السياسية مما يجري؟!
تساؤل هام يفرض نفسه في الظرف الراهن على الأوساط التي تتابع بقلق تطورات الأوضاع العالمية وما تحمله من مخاطر على شعوبنا وبلداننا.
فالملفت للنظر أن الأحزاب السياسية العربية، بيسارها ويمينها، تبدو وكأنها غائبة أو مغيبة طوعاً عما يجري، مع أنها كانت تتحرك في مختلف الاتجاهات إزاء أحداث أقل خطورة بل أحياناً هامشية سواء على الصعيد الدولي أو العربي أو الداخلي.
وقد جرت العادة أن تتداعى الأحزاب والمنظمات إلى لقاءات لبحث الوضع المستجد لدراسته واتخاذ ما يلزم إزاءه من قرارات ومواقف مشتركة، وليست قليلة المناسبات التي كانت تعلن فيها أن فشل مساعيها لأخذ موقف مشترك والتحرك على أساسه لتعبئة الجماهير يعود إلى التضييق عليها من قبل السلطات والأجهزة المعنية أو بفعل غياب الديمقراطية أو هامشها الضيق. وكثيراً ما كانت الأحزاب السياسية تتصدى لأخذ موقف حول حدث في أبعد قارة عنا وحتى في مجاهل إفريقيا لم تكن لنتائجه آثار كبيرة علينا.
والمثير للأسف أن التطورات الخطيرة الأخيرة منذ إعلان الولايات المتحدة الأمريكية حربها الجديدة وبدئها بالاستعدادات الحربية التي ربما لن يكون لها مثيل من حيث نتائجها المتوقعة، وهي تستهدف ضمناً البلاد العربية والإسلامية لم تجدها الأحزاب السياسية مناسبة تستحق وقفة جدية من أجل إيجاد وسائل التحرك ضده والعمل على رفع مستوى استعداد الجماهير وتجنيبها الانزلاق إلى مواقع اليأس والاستسلام. وكل الظروف متوفرة لتحقيق ذلك وخاصة أن الانتفاضة الباسلة بعد أن أتمت عامها الأول، برهنت على أن طريق مقاومة المخططات الإمبريالية والصهيونية هو الطريق الوحيد المفتوح للمستقبل، بينما باقي الطرق هو طرق مسدودة لا مستقبل لها.
إن التهديدات الأمريكية، والتي تعلن خلال تسويقها لحربها أنها ستستمر سنوات عديدة ولا تحدد لها هدفاً بل لا توفر بلداً أو طرفاً بحجة اجتثاث جذور الإرهاب، تهدف تحديداً إلى خلق حالة رعب بين الجميع، باعتبار أن كل بلد يمكن أن يشكل هدفاً لحربها لإرغامه على الانخراط في هذه الحرب الإرهابية والرضوخ دون قيد أو شرط لمتطلباتها، تمهيداً لتركيعه وسلب ما تبقى لديه من سيادة واستقلال.
والغريب بعد كل ذلك أن هذه المناسبة هي من بين المناسبات الخطيرة التي يمكن أن تعترض العديد من الحكومات على تحرك تقوم به الأحزاب السياسية الآن لاتخاذ موقف محدد جدي في مواجهة التهديدات، مع أن هذه التهديدات تستهدفها هي أيضاً.
فهل اختارت أحزابنا السياسية بدافع ذاتي وطواعية حالة السبات واستساغت لنفسها دون إكراه حكومي هذه المرة، تهميش دورها؟؟.