سيناريوهات نتائج خيار المقاومة السورية

من نافل القول أن القرار السوري الحازم يمثل تحولا و عنصرا حاسما في تقرير اتجاهات الأزمات، وبما أن سورية قررت خيار المقاومة والمواجهة وأعادت اللعبة إلى ساحة السياسة، بعد أن كانت في الإعلام وفي التحقيق، وفي الترهيب النفسي، واستخدام عصا مجلس الأمن والعقوبات، والحصار، والتلويح بالفصل السابع والفقرة 41، غدا الأمر يستلزم البحث في احتمالات التطورات المستقبلية والسناريوهات الناتجة عن اختيار سورية لخيار المقاومة على اعتبار أن السيناريوهات السابقة على خطاب الأسد باتت في خبر كان.

يوم القيامة وسناريوهاته

يوم القيامة، أي الحرب، والحرب على مدى واسع، وعلى مسرح عمليات المنطقة برمتها، وباستخدام كل أنواع الأسلحة بما فيها التي جرى تحضيرها ليوم القيامة في القاموس الصهيوني وتوصيفه لأسباب امتلاك أسلحه التدمير الشامل، أما المداخل لبلوغ الأزمة هذا اليوم فكثيرة يمكن ضبطها في السيناريوهات التالية:

إقدام الولايات المتحدة وحلفائها الأطلسي وإسرائيل بضربة عن بعد تطال 100- 150 موقعا ومقرا وبيتا بقصد قطع رأس النظام وضرب عصبه الأساس، ثم ترك الأمور تتفاعل بوهم نهوض قوى معارضة كامنة في المجتمع أو الدولة، أو ترك البلاد في حالة فوضى هدامة، أي النموذج الصربي وهناك ما يشير إلى أن أميركا أخذت القرار وان أطرافاً لبنانية يتحدثون عن سيناريو تفصيلي في صالوناتهم بل ويعلنون المواقف الصلبة ضد سورية وحزب الله بناء على معرفة أكيدة بأن الضربة آتية وقريبة وستحقق أهدافها.

*تحرش أميركي على الحدود العراقية  السورية، ينتج عنه توغل بعمق عدة كيلومترات وتحويل منطقة النفوذ الأمريكي إلى قاعدة لتجميع المعارضين وتدريبهم وفرض ما يسمى بمنطقة الحظر، ويجري الرهان على إنهاك النظام وإشعار السوريين بأنه ضعيف وعاجز وغير قادر على العمل بأي من المستويات، ثم يتحول التحرش إلى حرب عاصفة إن أرادت سورية فرض الاشتباك الواسع وبكل الأسلحة وبجميع الساحات.

*دمج السيناريوهات السابقة واستخراج سيناريو مركب، يقوم على ضربة نارية، وتقدم على الحدود الشمالية، وتفعيل المعارضة السورية، واستنهاض معارضين مكتومين في بنية الدولة، وتفجير بؤر توتر متناسلة بحيث ينشغل النظام على جميع المستويات وتضعف قوته وتهون قدراته على ضبط الأمور، فالاندفاع إلى الفوضى.

*سيناريو الحصار الاقتصادي الدولي، تمهيدا لإضعاف النظام وتحميله مسؤولية ما تؤول إليه الحال الاجتماعية والاقتصادية في سورية، وفي خلال الحصار الاقتصادي والعسكري، والجغرافي تكون عمليات أمنية محدودة ومركزة، أو قصف لمواقع.

تشديد الضغوط الاقتصادية، والسياسية، والدبلوماسية، وتفويض إسرائيل باستنزاف سورية امنيا وعسكريا بتوجيه ضربات أمنية أو جوية، وإفقاد النظام توازنه، وتأليب الرأي العام ضده، وتحفيز العناصر الكامنة من معارضة أو نقمة شعبية، يترافق مع إشغال سورية على جبهة الشمال وبتخليق مشكلات مع لبنان، وربما الأردن، وتركيا، مع تحريك الأصدقاء العرب لابتزاز القيادة السورية وتجميل الخيار الليبي كخيار وحيد في المعطيات والظروف التي ستكون بحساب هذا السيناريو.

بيد أن كل هذه السيناريوهات ستؤدي حكما آجلا أو عاجلا إلى يوم القيامة: أي انفجار الحرب العاصفة، الثقيلة في أسلحتها وحجم ما ستخلفه من تدمير وآثار إن وقعت.

لماذا نصل إلى هذا الاستنتاج ونعتبر جميع السيناريوهات سالفة الذكر هي بمثابة مداخل، أو صواعق تؤدي إلى يوم القيامة.

من المؤكد أن سورية غير العراق، وحاصلا غير ليبيا، في موقعها الجغرافي، وجغرافيتها السياسية والثقافية والاقتصادية، والعسكرية، وكذلك في حاصل نتائج سياسياتها وممارساتها على مدى خمس وثلاثين سنة، فالوصفة العراقية أو الليبية لا تعالج الحالة السورية.

ثم أن سورية تتحسب لهذه السيناريوهات أو هكذا يفترض، ومن المنطقي أن الأسد تأخر كثيرا لإعلان موقف سورية وأهدافها لأنه وقيادته كانوا في طور استطلاع الأجواء والتعرف إلى مختلف الخيارات وإقامة ميزان الحساب حساب الربح والخسارة، وما قول الأسد: إن خيار المقاومة اقل كلفة من خيار الفوضى سوى تعبير عن أن سورية استعدت واستقرت رؤيتها الإستراتيجية على هذا الخيار بعد حسابات دقيقة ورؤية واضحة لما هو كائن، ولما يمكن أن يحصل ولما سيكون.

ثم وان سورية تمتلك على عكس إيران، والصين، كوريا، كوبا، فنزويلا، ليبيا، السودان، خط اشتباك بري مع المشروع الأمريكي - الإسرائيلي - الفرنسي، وبين يديها رهينة هي 150000 جندي أميركي، وبين يديها رهينة هي إسرائيل ذاتها ووجودها واستمرارها، أي أن سورية لديها خيار قلب الطاولة على رؤوس الجميع وهذا ما قاله الرئيس الأسد بالضبط: أي شيء يمس سورية لن تكون نتائجه هنا فقط بل ستصيب الجميع وأولهم من أتى بالقوى الاستعمارية إلى هذه الديار، الخلاصة: أن سورية استعدت ليوم القيامة وبأنها ستعتبر أي تحرش امني أو عسكري، أو اقتصادي بمثابة الصاعق لتفجير المنطقة، فإذا صحت هذه القراءة فيجب تحذير من يراهن على إسقاط سورية بالحصار الاقتصادي والقول: بأن سورية قادرة على تجاوز الحصار، والاهم أنها قادرة على فرطه، ومنع حصوله، وفي أسوأ الأحوال قادرة على فرض حصار على حلفاء أميركا في المنطقة وعلى رأسهم الكيان الصهيوني نفسه، وهنا نقطة تمايز لسورية عن العراق والآخرين الذين تعرضوا للحصار فكل إسرائيل ومدنها ومطاراتها ومرافئها تحت اليد السورية عبر جبهة الجولان، وعبر جبهة فلسطين وعبر جبهة لبنان وليحسب كل حساب ما هو غير منتظر، وإذا كانت القدرة على التحليل وتلافي المخاطر هي في اكتشاف المستقبل وتوقع غير المتوقع فالتصرف السوري القائل بان تجويع الشعب السوري لن يمر بدون تجويع شعوب أخرى ينتمي إلى حساب ما هو غير متوقع لكنه ممكن، بل وممكن جدا، وربما راهن.

■ قاسيون. بتصرف

 

 ميخائيل عوض