قل لي من يربت على كتفك.. أقل لك أين أنت!!

ما إن صدر إعلان دمشق «للتغيير الوطني والديمقراطي» في السادس عشر من الشهر الجاري حتى أخذت البيانات والبلاغات المؤيدة والموقعة والمنضمة بالصدور بشكل متتابع «وبمنتهى البراءة والعفوية» محاولة إيهام الجميع بأنه لا تنسيق مسبق بين تلك القوى التي أنتجت الإعلان و«الشخصيات» والقوى المنضمة إليه لاحقاً..

والملفت للنظر أن الإعلان لم يلتفت للمخاطر المتعاظمة التي تتهدد الوطن من كل الجهات، ولم يلحظ من معاناة المواطن السوري سوى افتقاده  للديمقراطية.. ثم توالت الفصول الرديئة.. جماعة الأخوان المسلمين أصدرت بياناً استهلته بالبسملة، ومضت لتشرح في صلبه مدى إيمانها «الأصيل» بالحوار من أجل «إيجاد البديل الوطني الجامع»، وتاريخها الديمقراطي يشهد على ذلك: قتل الناس بالجملة فقط لأنهم ولدوا لآباء من «طوائف» وانتماءات مغايرة! وأنهت بيانها بمقتطفات من آيتين كريمتين.. فأي كذب وأي دجل اختبأ وتستر بين الاستهلال والختام المقدسين!!

الجبهة الديمقراطية لتحرير سورية.. هل سمع أحدكم بها؟؟ وممن تود تحرير سورية ؟ هي الأخرى أصدرت بياناً صحفياً سريعاً أكدت من خلاله انضمامها السريع للإعلان ، ويبدو أن قادتها من شدة سرعتهم، ولن نقول تسرعهم، لم يدققوا بيانهم جيداً، فبدل أن يبدأ بيانهم بجملة «تعلن الجبهة انضمامها» بدأ بجملة «تعلق الجبهة انضمامها»، ولولا أن المقطع الثاني جاء ليحسم الشك باليقين حين أكد «تبارك الجبهة..» لظلت الأمور ملتبسة، والحمد لله أنه لم يحدث ذلك..

حزب الإصلاح لصاحبه فريد الغادري لم يتأخر كثيراً عن مواكبة الحدث، ولم تستطع المسافات الشاسعة أن تشكل عائقاً بينه وبين حلفائه الديمقراطيين في الوطن الأم، إذ سرعان ما التحق بركب المنضمين والموقعين «الحريصين» على الوطن و«الراغبين» بإحداث التغيير الديمقراطي فيه.. وجاء صوته من هناك، من واشنطن «الصديقة المخلصة والمخلّصة» مباركاً الإعلان ومؤكداً على «التمسك بالثوابت الوطنية»، وبهذه المناسبة فإن فريد الغادري المتمسك وحزبه بالثوابت الوطنية، وعد الصهاينة أن يقيم نصباً للهولوكوست في قلب دمشق فور عودته إليها!!

وهكذا دواليك.. أخذت البيانات تتهافت وتنهال..، معظمها يبارك ويوقع على «العمياني»، وبعضها يعلن الانضمام  بعد أن يبدي تحفظه على بعض الفقرات، وقلة قليلة اختلطت عليها الأمور فوقعت في الفخ من دون أن تدرك ذلك، قوى وأحزاب و«شخصيات» لم يسمع بها أحد، والمعروفون أو الشهيرون منهم، وقع أسمائهم عند الناس يعني الفساد أو الإجرام أو الخيانة أو الغباء.. وبين الفاسد التاريخي والسفاح المجرم والخائن العلني والغبي المغفل راحت المعارك الجانبية تشتعل!! اتهامات شنيعة، والحقيقة أنها صحيحة برمتها، راح يطلقها حلفاء الإعلان بعضهم على بعض.. فضائح بالجملة بدأت تتكشف للرأي العام: اتصالات سرية بين أعداء الأمس القريب، حلفاء اللحظة! تنسيق مع قوى خارجية عدوة أو مشبوهة.. اتفاقات أو تواطؤات تنبعث منها روائح الطائفية والمذهبية والعرقية.. صفقات موعودة للعدوين الإسرائيلي والأمريكي إن حصل «التغيير» «الوطني» المطلوب، وهكذا!!!

إعلان دمشق، وكل البيانات والإعلانات التي تلته معلنة الموافقة عليه والانضمام إلى ركبه، لم تر ظروف الناس الاقتصادية - الاجتماعية وما يجب عمله للنهوض بالبلاد اقتصادياً وتحسين الواقع المعاشي لجماهير العمال والفلاحين والجنود وكافة الكادحين والمنتجين ومحدودي الدخل والعاطلين عن العمل.. التهديدات الأمريكية والإسرائيلية والإمبريالية عموماً لسورية وطناً وشعباً ووجوداً، وليس تهديد النظام وحسب، لم تلحظ «حملة التغيير الوطني الديمقراطي» على الإطلاق المشروع الأمريكي في المنطقة الهادف إلى تفتيت البنى والمجتمعات إلى كانتونات طائفية وعرقية ومذهبية ومناطقية وحاراتية إن أمكن، ولم تحاول أن تجرح مشاعر الصهاينة وداعميهم بكلمة واحدة!!

الديمقراطية، والديمقراطية فقط، فعن أية ديمقراطية يتشدقون، هل هي ديمقراطية أصحاب الثروات المنهوبة والمهربة إلى البنوك الخارجية؟ أم أنها ديمقراطية الخنوع لإرادة أعداء الوطن الذين يتهيئون ويخلقون المناخات لشن عدوانهم على البلاد من أجل تفتيتها وخلق الصراعات الدموية فيها؟

 

لقد بات لزاماً، على كل الشرفاء في هذه البلاد الصامدة، وعلى الوطنيين الخلّص في السلطة، أن يعلنوا النفير العام لمواجهة الأخطار المحدقة بسورية من كل صوب، داخلياً وخارجياً، وهذا لا يمكن تحقيقه ما لم يتلازم الوطني  مع الاقتصادي - الاجتماعي مع الديمقراطي، فالناس المتعطشون فعلاً للحريات السياسية والتعبير عن الرأي وتكافؤ الفرص، متعطشون أكثر للعدالة الاجتماعية وللخلاص من الفقر والبطالة والأمية  والتخلف والفساد والنهب، وإلا فإن أية معركة وطنية ضد أعداء الوطن الأمريكيين والصهاينة والمتأمركين والمتصهينين السائرين في ركابهم، ستكون معركة خاسرة، وهذا ما لا يريده أي وطني مخلص في سورية.