ماهر حجار ماهر حجار

(محاورة مع الرفيق كمال إبراهيم) الدور الوظيفي ووعي الذات ووحدة الشيوعيين السوريين

بداية، أود الاعتذار من القارئ الكريم على الطابع الأكاديمي للمادة الحالية، وما اضطرني لذلك هو ما كتبه رفيقي وصديقي كمال إبراهيم في العدد الماضي من «صحيفة قاسيون» العدد 272.

إذ طالعنا الرفيق كمال بمادة تحت عنوان «حول وحدة الشيوعيين السوريين» اتسمت بالعمق المعرفي لها وكثافتها ودقتها، دون أن يمنع ذلك برأينا من أن يصيبها الكثير من الخلل المعرفي والمفاهيمي، وحيث أننا اعتدنا في اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين على الحوار الجاد، رأيتُ من الضرورة بمكان محاورة ما كتبه الرفيق كمال إبراهيم.

وبنظرة سريعة على المقال المذكور يمكنني أن أحكم -دون أن يدخل حكمي أي نوع من الحيف- أن المادة دليل جديد على أن المشكلة الحقيقية لدى الشيوعيين السوريين والتي أنتجت الانقسامات هو فقدان الثقة -بهذا القدر أو ذاك- بالمنهج المادي الجدلي وفقدان الثقة بالذات الشيوعية القادرة على حل الإشكاليات المعرفية التي تعترضها، ليحل بذلك التوهم واللاأدرية مكان التشبث بالحقائق العلمية وتطويرها.

فمن الأسطر الأولى نرى الرفيق كمال يطيح بحقيقة معرفية كانت قد توصلت إليها اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين عندما يرى بداهة أن إخفاقات الوحدة كانت بسبب عدم وضع التوحيد «في المجرى الفعلي الواقعي لإمكان تحققه» وعندما نتساءل عن هذا المجرى الفعلي الواقعي نجد أن النص يجيبنا وفي كل ثناياه بأن المشكلة بنيوية، المشكلة برأي النص هي في البُنى الذهنية للشيوعيين السوريين وفي الخلل المفاهيمي لهذه البُنى التي تحتاج إلى إعادة تحرير انطلاقاً من فهم جديد مغاير؟؟.

نتساءل عن إعادة التحرير للمفاهيم والمفردات التي «كانت وما زالت تشكل عامل إرباك وتشويش» فنجدها أولا في مفهوم الدور الوظيفي للحزب والخلل الذي يشكله هذا المصطلح في علاقة الحزب بالطبقة.

1- الدور الوظيفي للحزب:

الرفيق كمال يجد أن هنالك خللاً معرفياً في استخدام وثائق اللجنة الوطنية لمصطلح «الدور الوظيفي للحزب»، بل إنه يرى أن هذا المصطلح فيه ما فيه من ابتعاد عن المنهج الماركسي-اللينيني وتقمص للمنهج الوضعي ذائع الصيت للفكر البرجوازي إذ أن هذا المصطلح يستند على مفاهيم المدرسة الوظيفية لدوركهايم.

نعم، قد يشعر المرء بذلك إذا تسللت إلى عقله الأدوات المعرفية للفلسفة الوضعية وفي مقدمتها الأدوات المعرفية للبنيوية، وإذا قدم المنهج الماركسي استقالة مؤقتة من تفكيره، فأصبح يتعامل مع البنيوية على أساس أنها فلسفة، لا على أساس أنها أدوات معرفية جزئية يستفيد منها الماركسي إلى أقصى حد ممكن دون أن يبالغ بها فيطيح بإيجابياتها عبر تضخيمها بجعلها منهجاً بدل أن تكون أداة معرفية.

إنني أتهم صديقي ورفيقي كمال إبراهيم بهذا التضخيم، الأمر الذي حدا لعدم تلمس الفارق بين استعانة الماركسي بالأدوات المعرفية للبنيوية، وبين المبالغة بهذه الأدوات المعرفية إلى درجة الإطاحة بالمنهج الماركسي عبر تغليبها عليه. ولُبُ لُباب الإطاحة بالمنهج الماركسي عند الرفيق كمال تجلى في نزع المصطلحات والمفاهيم من سياقاتها، الأمر الذي حولها إلى مفاهيم جامدة تعني معنىً واحداً في أي سياق أتت، وهو في ذلك لا يطيح فقط بالمنهج الماركسي، بل أيضاً بمتطلبات البنيوية ذاتها التي تفترض في أبحاثها المتقدمة أنه دائماً يكتنف البنية  Struture وظيفة Function. والوظيفة على الدوام محكومة بتغير تاريخي تصاعدي. الوظيفة أبداً غير ثابتة إلى في بعض النظريات الفجة للبرجوازية وفي مقدمتها المدرسة السوسيولوجية الفرنسية وزعيمها اميل دوركهايم الذي حاول جاهداً في كتابه «تقسيم العمل الاجتماعي» إلى الإطاحة بمبادئ وبدهيات المناهج الارتقائية والنشوئية وإنكار التطور التاريخي والتجاهل الكامل للدور الحاسم لقاعدة المجتمع الاقتصادية-الاجتماعية عبر المناهج العقيمة للتحليل البنيوي الوظيفي.

والسؤال الذي يواجهنا الآن مع الرفيق كمال: هل ثمة من اتفاق في السياق بين استخدام دوركهايم والفلسفة الوضعية بشكل عام لمفهوم الوظيفة وبين استخدام وثائق اللجنة الوطنية لهذا المفهوم؟؟ بين منهج يحاول عبثاً تخدير قروح الرأسمالية ولجنة وطنية تسعى لبناء حزب شيوعي ينكأ هذه القروح ويسعى لقبر الرأسمالية ودفنها واستبدالها بنظام العدالة الحقيقية عبر دور وظيفي حقيقي له يتجسد في هذا الاستبدال؟!.

2 - الماركسية والبيئة الوطنية:

يتمسك الرفيق كمال هنا أيضاً بمنهجه الذي عالج به مفهوم الدور الوظيفي، فينظر إلى الماركسية على أساس أنها بنية Structure ثابتة مكونة لنسق مغلق أو منظومة مغلقة System تحتاج إلى تبيئة؟؟!!! عن منهج جديد يبتعد عن المنهج المعياري «خطأ / صواب» ، فالأمر عنده «يتعلق بإعادة إنتاج منطوق الماركسية اللينينة وفق متطلبات تلك المجتمعات وحاجاتها المادية والروحية في آن معاً، على أن تتم هذه العملية في نفس اتجاه الماركسية ومنهجها» !!! ... هذا أقصى ما يراه في الماركسية؟؟!!!!....

في هذا المجال أريد أن أركز كلامي فأقول:

تتألف الماركسية من:1- منهج 2- قوانين 3- فرضيات.

الفرضيات انتهت من الناحية التاريخية، فما اثبت صحته من فرضيات حقق وجوده المادي، وما أثبت خطأه قد تجاوزه الزمن.

القوانين في معظمها مازالت تفعل فعلها ....

المنهج هو الأساس وهو المنهج المادي الجدلي.

الماركسي العربي لا يحتاج إلى إعادة إنتاج منطوق الماركسية-اللينينة وفق متطلبات مجتمعه وحاجاته المادية والروحية

الماركسي العربي أو المحلي أو أي كان يحتاج إلى فهم الحركة الاجتماعية في بلده على أساس الدرجة الحالية لتطور هذا المجتمع ومآلات هذا التطور وإدراك هذه المآلات واكتشاف قوانينها والتحكم بها وفق مآلات التطور العام للبشرية عامة والعملية الثورية العالمية.

الماركسي الأصيل يفعل ذلك....

الماركسي الذي يريد إعادة إنتاج الماركسية اللينينية وفق متطلبات مجتمعه وحاجاته المادية والروحية سيزري بالماركسية وسيقع لا محالة في التلفيق الذي لن يكسب في نهاية الأمر أي تصفيق...

3 - وحدة الشيوعيين السوريين:

لا أرى وحدة الشيوعيين السوريين تأتي عبر مقاربتها بمنهج وصفي يحدد بُنى ذهنيات القيادات التاريخية لهذه الفصائل كما يرى ذلك رفيقي وصديقي كمال.. فالتشرذم لم ينشأ من عدم حصول استقطاب تاريخي للطبقة العاملة السورية ولا من صفتي اللاتجانس واللاانتظام للحالة العامة لأذهان الشيوعيين السوريين ...

التشرذم نتج بالأساس عن حالة تراجع عام رافق الحركة الثورية العالمية منذ منتصف الخمسينات حتى الانهيار في أوائل التسعينات، هذا التراجع الذي لم تعيه الحركة الثورية العالمية في حينها، الأمر الذي أدى إلى أن نجد قبل الانهيار أكثر من سبعين حزباً شيوعياً في العالم قد انقسم، وبالتأكيد هذا ليس ناتجاً عن البُنى الذهنية لقيادات هذه الأحزاب.

وحدة الشيوعيين السوريين تتحقق بوعيهم لذاتهم.. بوعيهم لدورهم الوظيفي التاريخي في اللحظة التاريخية المحددة.. ولئن شكل عدم الوعي بحالة التراجع العام للحركة الثورية العالمية، هذا الوعي الذي كان يمكن أن يؤدي إلى التحكم بالتراجع وتقليل خسائره، ولئن كان المستوى المعرفي العام في تلك اللحظة التاريخية لم يكن ليسمح لهم بهذا الوعي.. فإن اللحظة التاريخية اليومية تسمح لهم بأن يعوا ذاتهم في كونهم اليوم شأنهم في ذلك شأن الحركة الثورية العالمية في حالة نهوض عاصف .. ولئن كانوا في السابق مهزومين بعقلية المنتصرين، فإن الذي سيوحدهم هو أنه لا يجب أن يكونوا منتصرين بعقلية المهزومين...

عندما سيدركون ذلك لن يحتاجوا إلى يقاربوا القضايا المعرفية التي تعترضهم بالأدوات المعرفية للفلسفة الوضعية للبرجوازية، بل سيوظفون كل الأدوات المعرفية للفلسفات الأخرى في صالح منهجهم المادي الجدلي، فتكون البنيوية بل وحتى التحليل البنيوي الوظيفي جزءاً صغيراً من الأدوات المعرفية للماركسي اللينيني الواعي لذاته ... الواثق بمنهجه ... المعتز بحزبه ودوره الوظيفي التاريخي في حركة المجتمع الصاعدة إلى الأعلى على الدوام... المحطمة لقهر الرأسمالية ... والبانية لمجتمع العدالة والحرية.....

حلب في 21/5/2006

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.