وقائع المؤتمر الحادي عشر للشيوعيين السوريين
لم يكن المؤتمر العادي الحادي عشر للشيوعيين السوريين عادياً في شيء، لا في توقيته الذي أتى في واحدة من أصعب المراحل التي تمر بها البلاد، ولا في رؤاه وتحليلاته وتقييمه للأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تؤثر في سورية وفي المنطقة بشكل عام، ولا في طبيعة التقارير المقدمة من هيئة الرئاسة (السابقة) والتي جاءت شاملة ودقيقة واستشرافية ومرتكزة على أسس ماركسية لينينية، منهجية وعلمية زاخرة بالموضوعية والشفافية، وما تبعها من حوارات ونقاشات تضمنتها مداخلات الرفاق المشاركين في المؤتمر، والتي برهنت إلى حد لا بأس به عن فهم واستيعاب الكادر التنظيمي للخط السياسي العام للحزب، كما أن هذا المؤتمر لم يكن عادياً على الإطلاق في الخلاصات والاستنتاجات التي توصل إليها، وفي بعض الشعارات النوعية التي رفعها وعلى رأسها شعار: «تحرير الجولان واجب مقدس وعلى رأس أولويات الشيوعيين السوريين»..
من الألف إلى الياء
بداية، لابد من الإشارة إلى أن هذا المؤتمر الذي عقد في أحد البيوتات في قلب العاصمة دمشق وبجلسات ماراتونية متواصلة ولساعات طويلة، جرى فيه سباق مع الوقت، وتمت فيه الاستفادة من كل ثانية نظراً لطبيعة الظروف الذاتية والموضوعية للمؤتمر وللمؤتمرين، وهذه نقطة كبيرة تحسب لصالح لجنة التنظيم التي عملت حساباً دقيقاً لكل صغيرة وكبيرة، ولبت كل الاحتياجات العامة والخاصة حتى وصلت بالمؤتمر «لوجستياً» إلى بر الأمان، ولاشك أن هذا ما كان ليتم بالصورة المثلى لولا التعاون الكبير الذي أبداه المندوبون الذين كانوا مثالاً للانضباط والأريحية والغيرية..
فبحضور 123 رفيقاً ورفيقة، نسبة الشباب منهم تجاوزت 37% وممثل عن اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين الرفيق حكمت تريكية، وعدد من الضيوف، جرى افتتاح أعمال المؤتمر الحادي عشر للشيوعيين السوريين في تمام الساعة الحادية عشرة والنصف من صباح يوم الجمعة 28/4/2006 بالنشيد الوطني، ردده الحضور، تلاه انتخاب رئاسة الجلسة واللجان المختلفة:
ـ لجنة الاعتمادات.
ـ لجنة التعديلات على الوثيقة البرنامجية.
ـ لجنة التعديلات على اللوائح التنظيمية.
ـ لجنة القرارات.
تبع ذلك إقرار جدول أعمال المؤتمر الذي تضمن مايلي:
ـ تقرير هيئة الرئاسة.
ـ تقرير لجنة مشروع الوثيقة البرنامجية.
ـ تقرير لجنة اللوائح التنظيمية.
ـ تقرير لجنة الاعتمادات.
ـ إخبار عن عمل المحكمة الحزبية.
ـ النقاش العام.
ـ إقرار التقارير والقرارات والتوصيات.
ـ انتخاب هيئة رئاسة جديدة.
ومن ثم تمت قراءة وتقديم التقارير:
تقرير هيئة رئاسة المؤتمر قدمه الرفيق د. قدري جميل، وتقرير لجنة الاعتمادات قدمه الرفيق أحمد الحاج علي عضو اللجنة، وتقرير لجنة مشروع وثيقة المهام البرنامجية قدمه الرفيق أنور أبو حامضة، وتقرير هيئة اللوائح التنظيمية قدمه الرفيق علاء عرفات.
بعدها قدم رئيس هيئة المحكمة الحزبية الرفيق مروان صقال مداخلة هامة أوضح من خلالها طبيعة وآلية عمل المحكمة الحزبية شارحاً بعض الالتباسات والمفاهيم الخاطئة ، كما بين منطلقات عمل هذه الهيئة التي ترتكز أساساً على النظام الداخلي للحزب، وتوقف عند بعض الإشكالات والخلافات التي تصدت لها المحكمة وحسمتها منذ الجلسة السابقة للمؤتمر.
النقاش العام
بدأت على أثر ذلك منظمات الحزب في المحافظات كافة بقراءة وتقديم تقاريرها ومداخلاتها، وراحت الحوارات والنقاشات تأخذ طابعاً ساخناً وطالت كل المناحي التي تضمنتها التقارير، كما طالت هذه الحوارات عمل الهيئات الحزبية منذ الجلسة السابقة للمؤتمر والإشكالات الناشئة وعوائق العمل السياسي والتنظيمي..
فمداخلة منظمة دمشق التي أخذت على هيئة الرئاسة تأخرها في إيصال مسودة تقريرها إلى المندوبين، سجلت موافقتها على اتجاهاته ورؤيته الطبقية، وثمنت الجهد الكبير المبذول في إعداده، ونوهت إلى موضوعات: تفعيل جبهة الجولان، والموقف من إعلان دمشق، والاستراتيجية الافتراضية للمقاومة، كما أنها توقفت عند بعض الملاحظات مثل الفكرة التي وردت في التقرير السياسي والتي تتحدث عن قضية محاولات البعض قسم النظام من الداخل، وطرحت المداخلة بعض الصعوبات والمعوقات التي تواجه عمل المنظمة، وأيضاً بعض الاستنتاجات التي تحتاج إلى دراسة وأخذ بعين الاعتبار:
1ـ الاحتقان في الشارع والرغبة في التفاعل وخاصة لدى الشباب، جعلا الخط الفكري والسياسي للشيوعيين السوريين مثار انتباه الناس.
2ـ ضرورة الالتفات الفكري والتنظيمي للارتقاء بمستوى الرفاق بما يتناسب مع قوة الخط السياسي والفكري.
ولحل هذه المسألة اقترح «الدمشقيون» ما يلي:
ـ الاهتمام بتثقيف الرفاق وبناء الكادر.
ـ الانتقال من منطق المطالبة إلى منطق المشاركة في تنفيذ المهمات.
ـ كثافة ضخ المعلومات وسرعة تواترها.
ـ معالجة موضوعة العالم الروحي للشباب.
مداخلة وفد منظمة حلب أكدت موافقتها الإجمالية على ما ورد في التقارير المقدمة للمؤتمر والتي تعكس صوابية الرؤية السياسية للحزب، ونوهت المداخلة إلى افتتاحيات قاسيون التي ما فتئت تعبر عن هذه الرؤية السياسية بأفضل صورة، الأمر الذي تحاول منظمة حلب الاستفادة منه وترجمته على أرض الواقع تنظيمياً ومطلبياً.
كما أكدت المداخلة على أن توصيف منظمة حلب للمؤتمر هو: المؤتمر الحادي عشر للشيوعيين السوريين، وهذا ينبع من ضرورات فكرية وسياسية وتنظيمية، نظراً لجملة الظروف التي تمر بها البلاد ويمر بها الشيوعيون السوريون.
مداخلة وفد منظمة الجزيرة حيت المؤتمر وتمنت له النجاح، وتقدمت ببعض الملاحظات لعل أهمها تلك التي انتقدت تأخر وصول التقارير إلى المندوبين، وغياب التأكيد على دور الاتحاد السوفييتي في تحقيق الجلاء، وأهمية دور الرفاق المخضرمين في العمل التنظيمي، كما طالبت المداخلة بتوضيح الطبيعة الطبقية للنظام، وتوضيح الموقف من المقاومة العراقية التي تستهدف المحتلين وماهيتها، والتفريق بينها وبين عمليات الإرهاب التي تستهدف العراقيين وتقوم بالتخريب، ودعت المداخلة إلى إبراز موقف الشيوعيين السوريين في ضرورة إقامة حكم وطني لعراق حر ديمقراطي يضمن الحقوق المشروعة للشعب الكردي في إطار وحدة البلاد سياسياً واجتماعياًَ واقتصادياً.
مداخلة وفد حمص، التي جاءت بمجملها من وحي التقرير السياسي المقدم، أيدت جميع ما ورد في مشاريع التقارير، وذكّرت بأنها منظمة الشهداء: سعيد الدروبي، عبد القادر إخوان، نزيه الشمالي، وغيرهم.. ثم نددت بمن يعتقدون أنفسهم أنهم ماركسيون – لينينيون، بينما ما يرد في بياناتهم وفي خطابهم السياسي ما يؤكد أنهم غير ذلك كلياً، وما استقواؤهم بالخارج صراحة إلا دليل على بطلان ما يدعون، وانتهت المداخلة إلى ضرورة العمل على خلق خطاب أكثر تقدماً يرتكز على أسس ماركسية – لينينية، وعلى ظروف البلاد وظروف الجماهير.
مداخلة ريف دمشق ركزت على ثلاث نقاط:
1ـ في الوضع الداخلي، تحدث التقرير عن الأصعدة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وغاب عنه الجانب الإعلامي رغم أهمية الإعلام في الظروف الراهنة لمواجهة ثقافة الاستهلاك.
2ـ الفرز الطبقي الحاد الذي يجري في العالم بأسره، والمثال عليه ثورة المهمشين التي جرت في فرنسا مؤخراً.
3ـ انتفاضة الشارع الأوربي ضد سياسة النيوليبرالية، يرافقها بكل أسف، نزعات عرقية وشوفينية خطيرة، وهذا ما يجب دراسته بشكل أوفى وأعمق.
مداخلة وفد منظمة دير الزور، تمنت أولاً لو أن هذا المؤتمر كان جامعاً لكل الشيوعيين السوريين الذين بات من الضرورة القصوى توحيدهم في حزب واحد وبقيادة واحدة، ثم دعت المداخلة إلى العمل على فتح حوار وتحسين العلاقة مع بعض القوى السياسية الوطنية التي قد تكون الآن واقفة في غير موقعها المفترض، كما رأت المداخلة أنه بات من الضروري إيجاد حل لاسم الحزب بما يضمن تمييزه عن بقية الأحزاب، من دون أن يعني هذا تكريس الانقسام..
مداخلة وفد السويداء تحدثت عن بعض الأمراض السياسية التي استطعنا تجاوزها خلال الفترة المنصرمة، كاللاعلمية واللا منهجية في القراءة والتحليل، وتمكننا من التفريق بين التكتيكي والاستراتيجي، وتجنبنا لليأس والإحباط، وركزت المداخلة على أهمية الاستمرار في الانطلاق من قاعدة ما يجب أن يكون، لا من قاعدة الممكن والكائن، وأثنت على دور صحيفة قاسيون في توضيح الخط السياسي، ورأت أن سمة العصر هي المعاداة للإمبريالية والصهيونية..
مداخلات وفود منظمات درعا وحماه واللاذقية وطرطوس أكدت موافقتها على ما جاء في التقارير المقدمة للمؤتمر، وتحدثت عن إصرارها على العمل من أجل وحدة الشيوعيين السوريين، وتفعيل دور المنظمات الحزبية في كافة مناطق وقرى المحافظات السورية، والإصرار على الانتشار والتواجد في كل مواقع العمل والإنتاج، والسعي لإعلاء صوت الفلاحين والعمال والطلبة والعاطلين عن العمل، والالتزام بالدفاع عن الوطن ومحاربة الفساد وفضح الفاسدين، ورأت في هذا الإطار أنه أصبح من الأهمية بمكان المضي قدماً في تفعيل الدور الشعبي لمكافحة الفساد..
المداخلات الفردية
بعد ذلك فسحت رئاسة الجلسة المجال للمداخلات الفردية لمناقشة التقارير والتي تجاوزت الـ 40 مداخلة جاءت عميقة وساخنة في مجملها، وطرحت العديد من القضايا السياسية والفكرية والتنظيمية التي أعطت الكثير من الحيوية لأجواء المؤتمر، حيث أخذت معظم البنود الواردة في التقرير السياسي حظاً كبيراً من النقاش والتفصيل والأخذ والرد، كما جرى التطرق في بعض هذه المداخلات لبعض القضايا الحزبية الخاصة، الأمر الذي تطلب تدخل الرفاق في هيئة المحكمة الحزبية لتوضيح جملة المسائل والقضايا المثارة.
إقرار التقارير
بعد أن انتهت عملية مناقشة التقارير التي استمرت ساعات عدة، جرى التصويت على إقرارها واعتمادها، فأقرت على الشكل التالي:
1 – تم إقرار التقرير السياسي بالإجماع بعد إضافة التعديلات عليه.
2 – تم إقرار الوثيقة البرنامجية بشبه إجماع مع إضافة أربعة تعديلات عليها
3 – أقر تقرير لجنة الاعتمادات بالإجماع وجرى التصويت على شرعية المؤتمر بالإجماع أيضاً.
4 – الموافقة بالإجماع على تقرير هيئة اللوائح، بعد إجراء تعديلين عليه.
الانتخابات.. آليات جديدة وعملية
واكب النقاش العام اتفاق أعضاء المؤتمر على آلية الترشح لهيئة الرئاسة، حيث جرى اعتماد آلية مفادها أن يقوم وفد كل منظمة بتقديم لائحة بمرشحي الوفد، بالقدر الذي خُصصت به المنظمة بناء على دورها وحجمها (عدد أعضائها)، من دون أن يعيق ذلك إمكانية الترشح الفردي أو ترشيح الآخر لجميع المندوبين الأصلاء، وعلى هذا الأساس، وبينما كان النقاش العام دائراً، كانت عملية الترشيحات تسير بشكل مواز تجنباً لهدر الوقت.
وقد تم تقديم هذه الترشيحات إلى رئاسة الجلسة بشكل متواتر وبأوقات متباعدة، من دون أن يؤثر ذلك على سير أعمال المؤتمر. وكان من بين المرشحين عدد لا بأس به من خارج قوائم المنظمات، بعضهم ثبت ترشحه لاحقاً وبعضهم الآخر انسحب، وقد جرت الانتخابات بطريقة الاقتراع السري، فتم انتخاب 31 عضواًً لهيئة الرئاسة الجديدة، شكل الشباب منها ما نسبته 35% (دون سن الـ 40 عاماً).
اختتام أعمال المؤتمر
مع انتهاء فرز أصوات انتخابات هيئة الرئاسة الجديدة وإعلان النتائج، تم إنجاز جميع ما جاء في جدول أعمال المؤتمر، فجرى الختام بالنشيد الأممي في تمام الساعة العاشرة والنصف من مساء يوم الجمعة 28/4/2006.
لقطات من المؤتمر
ـ غلبت روح التفاؤل والحماس والإيجابية على أجواء المؤتمر، مما أعطى للمناقشات طابعاً مميزاً وساعد كثيراً في إنجاز كل ما جاء في جدول الأعمال المقرر في زمن قياسي.
ـ كان حضور الشباب في المؤتمر، من الجنسين، قوياً وفاعلاً على الرغم من أن النسبة العامة لهم ما تزال أقل من الطموح..
ـ بدا لدى معظم الرفاق المخضرمين استعداد كبير لتقبل النقد، ولدعم الرفاق الشباب الذين بدؤوا فعلياً يتصدون لمهامهم الكبيرة والكثيرة.
ـ شكلت الاستراحات القصيرة فرصة لوفود المنظمات للتشاور فيما بينهم لاختيار مرشحي كل منظمة، وبالتالي فإن هذه الاستراحات كانت شكلية ليس إلا، لأنها كانت عملياً، استمراراً جدياً لجدول أعمال المؤتمر المزدحم.
ـ جاءت بعض المداخلات الفردية لبعض الرفاق أكثر رصانة وقوة من مداخلات المنظمات التابعين لها، وهذه ظاهرة سلبية..
ـ من الظواهر السلبية التي تجلت من حين لآخر أثناء النقاشات، هي ظاهرة عدم التزام بعض الرفاق بالوقت المخصص لكل مداخلة، والتداخل على مداخلة الغير مباشرة ومن دون إذن، الأمر الذي تطلب تدخل رئاسة الجلسة مرات عدة لضبط المسألة.
ـ التزم الجميع بعدم التدخين في قاعة المؤتمر، وهذه ظاهرة إيجابية، ولكن التباعد الكبير بين فترات الاستراحة (القليلة) جعل المدخنين من حين لآخر يتسربون إلى خارج القاعة، مما فوت عليهم متابعة بعض الأعمال، وعند اتخاذ القرارات كان يجري البحث عن المتسربين للمشاركة في التصويت!!