تأبين الرفيق محمد رأفت الكردي غاب مخلفاً وراءه فراغاً هائلاً.. وألماً لا يقاس

أقام الحزب الشيوعي السوري حفلاً تأبينياً للرفيق رأفت الكردي حضره حشد من الأصدقاء والرفاق وأبناء حيه، ألقيت فيه كلمات عديدة اخترنا منها الكلمات التالية لضيق المساحة.

كلمة الحزب الشيوعي السوري الموحد ألقاها الرفيق حنين نمر:

«يأبى الموت إلا أن يختطف من بين أيدينا واحداً من أخيارنا كل حين وطائر الموت هذا لا يدري كم يفعل بنا، في وحشتيه وهمجيته، وكم يخلف فينا من فواجع وجراح.

يكفيك أيها الموت أنك التقطت اليوم صيداً ثميناً، ولا أعز. أما كفاك (بدر ودانيال وحسين وأنس وموريس وإبراهيم ومراد ومفيد وأحمد وجميلة وبطرس)، وكل هذه الكوكبة والباقة الجميلة وغيرها، لتضيف إلى (مآثرك) الوحشية إثماً جديداً فتنتزع من بيننا رأفت الكردي أيضاً؟ لقد اخترت أيها الموت أن تجاور اليوم رأفت الكردي، لكي تستمع بآرائه الحرة، والثرية بالفكر، بالاقتصاد، بالتاريخ، وأن تستمع إلى مواجعه في التنظيم، وإلى فاجعته الكبرى بأنه ما عاش زمناً كافياً، ليكمل مع رفاقه مشروع بناء الحزب الذي اشتهى، والذي أمضى عمره كله في وضع لبناته».

كلمة أبناء حي الصالحية، حيّ الفقيد ألقاها الرفيق عبد الله صباغ:

«لقد غاب صديق الطفولة والشباب والهرم المهندس الكهربائي الرفيق رأفت الكردي.. غاب مخلفاً وراءه فراغاً هائلاً.. وألماً لا يقاس ولا حد له.

إن هذا الصديق الإنسان الذي تربع على هذه المناصب الرفيعة كان لا يزال يسكن في طابق مستأجر بمنطقة عرنوس، ولم يستطع أن يشتري لنفسه أو لأسرته بيتاً يؤويه، ولم يفتح لنفسه حساباً في مصرف محلي أو أجنبي، وأنا أعرف أن الرفيق رأفت عندما استلم منصب وزارة المواصلات لم يكن في منزله هاتف، كما لم يكن يملك حلة (مفصلة أو جاهزة)، وقد لجأ إلى قريب أمه المختار المرحوم أبي راشد برنيو واستقرض مبلغاً اشترى به حلة جديدة وهاتفاً.

الشيوعي الحقيقي رأفت خذله رفاقه في المؤتمر العاشر للحزب فلم يظهر خيبة أمله لهذا الموقف المحبط.. وأخذ يعمل في مكتب هندسي استأجره ليأكل لقمة العيش حلالاً زلالاً».

كلمة أصدقاء الفقيد ألقاها الرفيق صريح البني:

«سأستعين بمسيرتنا المشتركة مع صديق العمر رأفت الكردي، لكي أذود، نقدياً عن جيلنا، لم نكن ساذجين لنبقى معتنقين المقولة الرمزية عن الذين لا يشيخون، بسبب عقيدتهم الكلية الصواب! أفهمتنا الحياة، ربما قسراً، أن سر الشباب الدائم، بحسب أصحاب تلك المقولة، هو التجدد، فكراً وممارسة، ولعل بعضكم، يعتقد معي، أن تقصيرنا الأساس تجسد في ضعف طاقتنا على هذا التجدد، لقد حملنا لزمن أطول مما ينبغي، مشروعاً للعدالة الاجتماعية، رسمناه بذاته مشروع حرية.

لنعترف بأننا لم نحقق الكثير على درب أي منهما، لم يسعفنا طيب نوايانا أو أننا عشنا ولا نزال أكثر العصور صعوداً بأعظم الانتصارات، ثم هبوطاً بأفدح الهزائم، حد الانهيار؟ أو لعلنا لم نبذل من الجهد ما يكفي؟ بيد أننا كنا صادقين في حلمنا بوطن أقوى وأجمل، وشعب ارغد عيشاً».

كلمة أسرة الفقيد الراحل ألقاها الرفيق عبد الوهاب الكردي:

«ستمر الساعة السادسة مساء، لن يرن الهاتف، لن أعود أسمع صوتك الذي اعتدناه، وأنت تسأل: متي سنأتي؟ فقد قررت الرحيل فجأة دون أن تودعنا. استعرض صورتك وأستجمع معها شريط الذكريات أتذكر الحكايا وأكتشف اللحظات لصديق ورفيق وزوج والأب، فعن أي منهم أتحدث؟ عن الرجل المليء بالحياة والضاحك، الحالم بوطن تسود فيه العدالة والحرية، عن أب الذي غرس في عائلته الصغيرة أن الوطن أغلى من أن يحدد بسقف أو أن يختصر بكلمة؟

عن الرفيق الذي كان يردد على مسامعنا (أنا منحاز للناس الفقراء) واختار في انحيازه أسلوباً للحياة.

برغم كل المناصب لم تكن المظاهر تعني لك شيئاً، لم تكن ترتاح إلا بين أحبتك وأهلك. علمتنا أن المسؤولية تواضع، وكنت تردد أن المناصب ما هي سوى مهام موكلة تذهب. كان حوارنا الدائم هو حرصك على وطن ينتصر فيه المظلومون ولا يبقى فيه مقهور وبقيت روح التمرد التي بدأت حياتك بها نفسها إلى يوم أسلمت الروح بين يدي. فأفتخر بأننا ننتمي إليك.

أيها المغادر في زمن التحولات، وأنت تصعد إلى السماء، اطمئن لأن ما عشت من أجله مازال ينبت أقحواناً في أرض الوطن، وعائلتك تعتز بإرث تركته بيننا وتفتخر».

للرفيق الخلود.. ولأهله ورفاقه وأصدقائه الصبر والسلوان.