كيف أصبحت شيوعياً محمد محروس شيخ الشباب، من الرفاق في تنظيم (النور)
- الرفيق المحترم أبو عبدو... نرحب بك ونسألك أن تعرّف قراءنا الأعزاء كيف أصبحت شيوعيا؟
-أنا من مواليد1931دمشق- المزة، وهي قرية ليس فيها ملكيات أرض كبيرة، وكثير من أهلها يعملون حرفيين وبخاصة في صناعة الحبال، وأبي يعمل ببيع الحبال، وفيما بعد صارت هذه القرية حيا من أحياء المدينة، وعلى أحد مرتفعاتها ينتصب سجن المزة العسكري.
تعلمت حتى الصف الرابع بمدرسة القرية، والصف الخامس ونلت الشهادة الابتدائية من مدرسة (عبد الرحمن شهبندر)، وتابعت الصف السادس والسابع بالتجهيز الثانية (بالحلبوني)، وتركت الدراسة وتقدمت للتطوع بجيش الإنقاذ، فلم أقبل لصغر سني، فذهبت عن طريق الأردن إلى فلسطين والتحقت بجيش الجهاد المقدس الذي كان يقوده الشهيد عبد القادر الحسيني، واشتركت بالقتال ضد الصهاينة بأكثر من موقع، وفي 12/12/1948عدت لدمشق لأعمل بمهنة (القباني) بأسواق البزورية والقشر والهال، وخلال الفترة التي أعقبت تركي للمدرسة كنت قريبا من حزب الإخوان المسلمين، وعند قيام حسني الزعيم بانقلاب عسكري، أعلنت الأحكام العرفية وحظّر العمل السياسي، وكان لي صديق يعمل معي ويسكن ببيت مجاور لبيتنا، واسمه خالد القوادري، وكنت أناقشه في كثير من القضايا العامة والخاصة. في عام 1954وإثر سقوط الدكتاتورية العسكرية بدأ التحضير لانتخاب أعضاء البرلمان وانحاز صديقي إلى جانب مرشحي الحزب الشيوعي، وهم الرفاق: خالد بكداش ونصوح الغفري وجورج عويشق، وانحزت لمرشح الإخوان محمد المبارك، وقبيل الانتخابات دعاني صديق من المزة لحضور حفل انتخابي لمرشح الحزب السوري القومي فلبيت الدعوة، واصطحبت معي صديقي القوادري، واستمعنا للكلمات التي ألقيت، وكلها هجوم على الأحزاب وبشكل خاص على الحزب الشيوعي، وحين هم صديقي للرد، سارعت بالكلام بدلا عنه فهو ليس معروفا من القائمين بالاحتفال، (وقد تبنيت رأي صديقي أعرفه جيدا لكثرة ما تناقشنا حوله)، وقلت: إن هجومكم على الشيوعيين فيه مغالطات كثيرة، فلو كانت الشيوعية تضعف الوطنية كما تقولون لما ظهرت حركة المقاومة (الأنصار) التي قاتلت المحتلين الألمان في روسيا وحققت انتصارات باهرة عليهم، ولو كان الحكم الشيوعي ظالما للشعب لرحب الروس بالمحتلين واعتبروا هتلر منقذا لهم، ولما كانت معركة (ستالين غراد) مثالا رائعا لتلاحم الشعب مع الحكم، وكذلك الحال في فيتنام التي مرغ فيها الشيوعيون أنف المستعمرين الفرنسيين بالوحل، أما ادعاؤكم أن الشيوعية ضد الدين فتكذبها المقالات التي تنشرها مجلة المصور المصرية عن المقابلات مع الحجاج الروس وهم في طريقهم إلى الحجاز، فكيف يسمحون لهم بالحج لو كانوا ضد الدين؟!، وعندما عدت للبيت راجعت كل ما قلته فوجدت نفسي مقتنعا به وأمضيت ليلتي في أرق، ولم أنم! وبعد أيام جرت الانتخابات، وكنت أحمل توكيلا لمرشح من أقاربي كان ينتمي فيما سبق لحزب أديب الشيشكلي، لكنني عملت للمرشحين الشيوعيين، واستخدمت دراجتي لإحضار عدد لا بأس فيه من الناخبين، وقد فاز الرفيق خالد نائبا عن دمشق، فكان أول شيوعي يدخل مجلس النواب، وشعرت بنوع من الاطمئنان، فوجود نواب شيوعيين سيحول دون نجاح المؤامرات الاستعمارية على وطننا، وبعد أسبوعين طلب مني صديقي حسن كمال أن أحضر معه لقاء نسمع فيه حديثا عن برنامج الحزب الشيوعي والأهداف التي يناضل من أجلها، وكان المتحدث الرفيق يوسف أبيض، فلاقى ذلك قبولا وقناعة مني، وما هي إلا أيام قليلة حتى صرت في صفوف الحزب وأصبحت شيوعيا ودعوت صديقي حسن (الذي كان قد دعاني لحضور اللقاء) لدخول الحزب، وهذا ما تم فعلا. وبعدها انضممت لنقابة عمال ومستخدمي المؤسسات التجارية بدمشق، ورشحت نفسي للنقابة وتحدثت في اجتماع انتخابي عن مطالب العمال وشرحت أوضاعهم، وكان بين الحضور النقابي صبحي الخطيب الذي عقب على حديثي قائلا: إن كلامك هو كلام الشيوعيين، فتحمس لي كثير من العمال، وفزت بثقتهم، ولم يمض عام إلا وانتخبت أمينا لسر النقابة، وقد بقيت في هذا العمل إلى أن جرت حملة الاعتقالات الواسعة عام 1959، واعتقلنا في سجن المزة العسكري.
ومنذ أواسط خمسينات القرن الماضي وحتى اليوم، مازلت في صفوف الحزب أشارك بكل نشاطاته ولم أتردد بتنفيذ أية مهمة كلفت بها، واسمحوا لي أن أتوجه من خلال هذه الزاوية إلى الرفاق قائلا: يا كل الشيوعيين في جميع التنظيمات وخارجها.... عندما كنا في حزب واحد كنا نتمتع باحترام ودعم أوسع جماهير شعبنا، وعندما بدأت الانقسامات بدأت الخسائر المتوالية، وابتعد آلاف الرفاق عن التنظيم، وتبدلت نظرة جماهير الشعب وخسرنا احترامها وتأييدها، وهذا الأمر لا نرضى أن يستمر، لذلك لابد من أن نعمل جاهدين وجادين من أجل استعادة ثقة الجماهير، وذلك بالنضال بينها ومعها في سبيل أهدافها المشروعة، وأن نركز على نقاط الاتفاق بيننا، وهي كثيرة وكفيلة بإعادة سمعة حزبنا الغالية ليقوم بدوره في خدمة الشعب والوطن.