انتخابات مجلس الشعب بين الواقع والطموح

شهدت البلاد في الثاني والعشرين من شهر نيسان الجاري الانتخابات لاختيار أعضاء مجلس الشعب للدورة التشريعية التاسعة وسط أجواء تتباين فيها الآراء والمواقف. حيث يكثر الجدل في الشارع السوري حول أهمية مجلس الشعب وأهمية المشاركة في المعركة الانتخابية انطلاقاً من القوانين التي ناقشتها المجالس السابقة والقرارات التي صدرت عنها والتي لم تلامس القضايا الاقتصادية والاجتماعية والديمقراطية التي تهم الجماهير الشعبية في كلمتها ولقمتها وحريتها وكرامتها، حيث فشلت جميع الدورات السابقة في تأمين الحياة الحرة الكريمة واللائقة للمواطن السوري.

فقضايا مكافحة الفساد والنهب والبطالة والغلاء، وتحسين مستوى المعيشة وإلغاء نتائج الإحصاء الاستثنائي الجائر بحق المواطنين الأكراد عام 1962 وإصدار قانون عصري للأحزاب وقانون متقدم للانتخابات ورفع الأحكام العرفية وتجميد قانون الطوارئ.. كانت كلها غائبة عن المجالس، واجتماعات هذه المجالس.

ومن جهة أخرى فالقانون الانتخابي المعمول به حالياً على أساس المحافظة دائرة واحدة، يخلق هوة واغتراب بين الناخب ومرشحه، ويفتح المجال أمام مرشحين لا يعرفهم الناخب لاتساع الدائرة الانتخابية، الأمر الذي يؤدي إلى عزوف الناخب عن التصويت.

أما بالنسبة لممثلي أحزاب الجبهة الوطنية التقدمية، فلهم نسبة عالية في قوام المجلس وفي قوام كل دائرة انتخابية وبعضهم غير معروف في أوساط الجماهير بنزاهته وكفاءته ولا يعرفون قضايا محافظتهم ولا هموم مواطنيها ومعظمهم يعتمد في نشاطه الدعائي على النجاح المضمون لقوائم الجبهة المدعومة من أجهزة الدولة ومؤسساتها وأصيبوا بأمراض العمل الجبهوي كالركض وراء الامتيازات واستسهال العمل من فوق والابتعاد عن الجماهير، علماً أن قوة أي حزب سياسي هي في مدى تواجده الفعلي على الأرض وتحسين أوضاع الجماهير ورفع آلامها ومعاناتها. هذا من جهة ومن جهة أخرى فالفضاء السياسي اليوم أوسع بكثير مما كان عليه في السابق ويجري إعادة تكوين أسس من الثوابت الوطنية. أما المرشحون المستقلون فيتوزعون إلى:

1ً ـ فئة تمثل قوى الفساد والنهب الكبير وكذلك قوى اليورو والدولار المدعومة من قوى موجودة داخل جهاز الدولة وخارجه، ويشكلون بوابات العبور للعدوان الخارجي بالإضافة إلى ما يسمى بقوائم الظل التي تظهر هنا وهناك وخاصة أثناء التصويت وبعد الفوز في بعض الدوائر الانتخابية.

2ً ـ الوطنيون والتقدميون والشيوعيون وكل الذين يمتازون بالنزاهة والإخلاص وحب الوطن، وليس لهم أي ولاء أو انتماء سوى الولاء للوطن والانحياز إلى جانب الشعب وقضاياه الطبقية.

فلو نظرنا إلى الانتخابات من هذه الزاوية لتردد المرء بين الإقدام أو الإحجام تصويتاً وترشيحاً.

ولكن لو تأملنا لماذا تقوم قوى الفساد والنهب وأنصار الليبرالية الجديدة برصد ملايين الليرات السورية للدعاية الانتخابية وجمع الأصوات وتأمين وكلاء الصناديق وهدرها أضعافاً مضاعفة لما حدده القانون بسقف الدعاية الانتخابية بـ ثلاثة ملايين ليرة سورية والذين يردون أن هذا القانون ظالم بحقهم، ولا يشفي غليلهم، وإذا علمنا أيضاً أن مجموع ما يتقاضاه عضو مجلس الشعب بشكل قانوني لا يشكل إلا جزءاً يسيراً مما ينفقونه من أجل الحصول على هذه العضوية، لرأينا أن الغاية بالنسبة لهؤلاء ليست عضوية مجلس الشعب أو خدمة الشعب، بل السيطرة على السلطة التشريعية لتحقيق مصالحهم الطبقية، ومن ثم السيطرة على السلطة التنفيذية والتحكم بالقرار الاقتصادي وصولاً إلى القرار السياسي، «لأن من يملك يحكم»، أي السيطرة على البلاد والعباد، وإن العاقل ليدرك أن وراء الأكمة ما وراءها.

إذاً الإحجام عن المشاركة يعني ترك المجال واسعاً وفتح الباب على مصراعيه لفوز ناهبي قوت الشعب ولقمته، ومن لا تتوفر فيه معايير النزاهة والوطنية والمرتبطين بالرأسمال المعولم الذين يشكلون نقطة الارتكاز لأي عدوان خارجي دون أية مقاومة أو منافسة. فالمعركة بين هؤلاء الذين لا يهمهم سوى جيوبهم، بل إن أوطانهم في جيوبهم، وبين الوطنيين الشرفاء الذي يرفعون وطنهم على أكتافهم ويدافعون عن حياضه ويرفضون أن يحولوا أي منبر ديمقراطي لتحقيق أطماعهم الشخصية. ولذلك فإن خوض المعركة الانتخابية والوقوف في وجه هؤلاء وعرقلتهم ومقاومتهم وإفشالهم كان واجباً وطنياً بامتياز.

إن المشاركة في هذه العملية الانتخابية هي حراك سياسي.. هي تفعيل للحركة السياسية.. هي استنهاض للجماهير وتوجيهها نحو فضح وتعرية عناصر الليبرالية الجديدة وخصخصة القطاع العام (بيعاً أو استثماراً أو تأجيراً).. إنها معركة بين الذين جروا عربة غورو إلى دمشق، وبين الذين ساروا إلى ميسلون لملاقاة العدو في معركة غير متكافئة.

■ عامودة

عبد الحليم قجو

آخر تعديل على الإثنين, 14 تشرين2/نوفمبر 2016 11:37