كيف أصبحت شيوعياً
ضيف العدد هو الرفيق يوسف بن محمود شيخو... الرفيق أبو ماجد.. كيف أصبحت شيوعيا؟
أنا من مواليد عام 1929 ببلدة يبرود التابعة لمدينة النبك، من أسرة فقيرة، والدي كان حارسا ليليا ثم أخرج من عمله ليشتغل بعدها ببناء الأقبية والملاجئ في بلدة قطنا قريبا من دمشق، وقد اضطررت لمساعدته بعمله بعد أن أنهيت الدراسة الابتدائية بيبرود عام 1942، كما قمت بالعمل في رصف الطرقات، وانقطعت عن الدراسة لمدة عامين، ثم التحقت بالمدرسة الصناعية في السوق العتيق على مقربة من ساحة المرجة -الشهداء-وحصلت منها على الكفاءة الصناعية (اختصاص خراطة) عام 1949، وفي هذه المدرسة تعرفت وتأثرت كثيرا بالمدرس نجاة قصاب حسن الذي كان مثلي الأعلى بالوطنية والحيوية والعمل والعطاء، كما كنت متأثرا إلى حد ما بالمدرس عادل سودان ذي الاتجاه الديني، وأذكر أنني حضرت معه محاضرة للشيخ مصطفى السباعي المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين في جامع الدرويشية، وفيها استخدم بيتين من شعر السموءل (تعيرنا أنا قليل عديدنا) ولكن بتغيير بعض الكلمات ليفاخر بجماعته (الأعزاء)، ولينعت جميع خصومه السياسيين بأنهم (أذلاء)، وقد ترك هذا الموقف في نفسي امتعاضا !!
كان طلاب المدرسة من مختلف الاتجاهات السياسية ،لكنهم جميعا كانوا يشاركون بالمظاهرات الوطنية، وأكثر من كنت محتكا بهم هم الطلاب الرفاق زهير ناجي الذي شجعني على المطالعة والقراءة لرفعت سعيد ومجلة الطريق، والرفيق عوني النجار الذي عرفني على الأفكار الشيوعية واصطحبني معه لحضور بعض الندوات عن الاشتراكية في مكتب الحزب بحي المزرعة بدمشق، والرفيق محمد بركات الصوفي الذي أوصلني إلى التنظيم بفرقة تعمل بين الشباب لأشارك في العديد من النشاطات الطلابية، وبعد ذلك انتظمت بفرقة حزبية في الحي الذي سكنا فيه بعد انتقالنا من يبرود وحصلت على بطاقة العضوية برقم 267 تاريخ 15 شباط 1945 وفي تلك المرحلة تعرفت على الرفيق حسين عاقو الذي استشهد عام 1947 دفاعا عن الرفاق في مكتب الحزب.
وعندما تأسست دار المعلمين الريفية في بلدة يبرود التحقت بها (دراسة وإقامة داخلية- مبيت وطعام)وتخرجت عام 1952 وتعينت معلما ببلدة محردة التابعة لحماة وبعد عام انتقلت إلى السلميّة وبعدها إلى النبك ومن هناك التحقت بالخدمة العسكرية الإلزامية وبعد انتهاء الخدمة عينت في بلدة جيرود وفيها تعرفت على الصديق محمود سمور الذي أصبح رفيقا. لم يكن عملي في التدريس مستقرا لكثرة المرات التي دعيت فيها للخدمة الاحتياطية، ودرّست ببلدة دير علي وبلدة بحارية وبلدة العتيبة، ثم انتقلت للتعليم في مدينة دمشق وآخر مدرسة علمت فيها هي مدرسة موسى بن نصير بمساكن يرزة، حيث أحلت بعدها على التقاعد، ومن الذكريات الماثلة في البال وهي كثيرة جدا، ذكرى تكليفي بإيصال (كتاب صغير!!) أستلمه من الرفيق إبراهيم بكري لأوصله إلى الرفاق في الحي، وحسب التعليمات ذهبت إلى المكان المحدد بالقرب من ساحة السبع بحرات وبالوقت المتفق عليه، وهناك فوجئت بازدحام وبوجود عناصر من الأمن العام، فابتعدت قليلا إلى زاوية قريبة، مما أخرني عدة دقائق عن الموعد المحدد، ولمحت الرفيق إبراهيم من بعيد يشير لي أن آتي إليه، وحين أتيته أعطاني لافتة كبيرة ملفوفة مع بعض العصي الخشبية والحبال (حجمها أكبرمن حجمي)، وطلب مني إيصالها إلى الحارة ليعلقها الرفاق على أعمدة الكهرباء بساحة شمدين في مدخل الحي، وبصعوبة قصوى استطعت تنفيذ المطلوب بعيدا عن أعين عناصر الأمن والحراس الليليين المنتشرين في الطرقات. ومن المهمات التي كلفت بها استلام مطبوعات وإيصالها إلى الرفاق في أحياء الصالحية والشيخ محي الدين وكتابة الشعارات على الجدران والمشاركة بالمظاهرات الطيارة وغيرها،ومن الذكريات(الطريفة) ذكرى المطبعة التي أحضرها الرفاق إلى بيتي لتخبئتها عندي وكانت موضوعة بحقيبة كبيرة وهي من المعدن الثقيل وحروفها من الرصاص فحفرت في مصطبة البيت حفرة ووضعتها فيها بعد لفّها بأكثر من عازل،وكان ذلك في بداية حكم العقيد أديب الشيشكلي وبعد مدة طلبوا مني نقلها عند الفجر إلى بيت أحد الرفاق فقمت وبصعوبة بالغة بنقلها وعندما قرعت باب البيت لم يكن الرفيق موجودا فقلت لأهله هذه (أمانة) لابنكم وتركتها في مدخل البيت وانصرفت ،وبعد خمس ساعات فوجئت بشاب من أقاربي يدق باب بيتنا وهو يحمل المطبعة، جهاراً نهاراً، ويقول لي إن أهل رفيقي طلبوا منه أن يعيد إليّ المطبعة ،فأعدتها بدوري إلى (حفرتها) في بيتي لتبقى لفترة أخرى ومن ثم لأنقلها بواسطة باص جديد على الخط وبمشقة كبيرة إلى بيت رفيق بحي (أبو جرش- تحت الصيبات).
اعتقلت زمن ديكتاتورية حسني الزعيم لأكثر من شهرين بسجن المزة العسكري، وهناك تعرفت على الرفيق عبدو الضيعة، وهو من طرطوس، وقد شجعني وحمسني كثيرا على الصمود، كما سجنت بسجن القلعة وفيه التقيت بالرفيق المعلم سعيد ميرخان، وبقينا في السجن إلى أن صدر مرسوم بالعفو العام عن السجناء، وبعد الخروج من السجن كنت أتردد على بيت الصديق عادل الملا وأحدثه عن الحزب وأعده للانتساب إليه، وهذا ما حدث فعلا..
والآن أرى من واجبي أن أقول للرفاق أينما كانت مواقعهم: إن ميثاق شرف الشيوعيين يطالبنا جميعا أن نلتقي بصف واحد تحت راية انتمائنا الطبقي والوطني لنمارس دورنا بين جماهير شعبنا قولا وفعلا، ولتكن البداية (بعد أن أضعفتنا الانقسامات والتمترس الخاطئ في غير خنادقنا الحقيقية) لتكن البداية بالنشاطات المشتركة، وكما يقال لا عذر لمتخلف عن ركب وحدة الشيوعيين السوريين.