حلقة جديدة في مخطط تفجير لبنان
لم يكد مساعد وزير الخارجية الأميركية ديفيد وولش يغادر الأراضي اللبنانية حتى استفاق الناس في الشمال على دوي المدافع الموجهة إلى مخيم نهر البارد في منطقة طرابلس، وقيل إن الهدف من الحملة هو مطاردة عناصر من جماعة فتح الإسلام سطت على أحد المصارف دون أن يعرف أحد كيف تم التأكد من هوية اللصوص خصوصا أنه لم يتم القبض على أي منهم. فريق السلطة (14 آذار) وجه التهمة فورا لسورية مؤكدين من جديد ارتباط الجماعة بها، حيث كانوا قد فعلوا ذلك عندما وقعت تفجيرات "عين علق" التي طويت ولم يعد يتحدث أحد عنها بعد الانتهاء من توجيه التهمة.
لسنا بصدد الدفاع عن جماعة «فتح الإسلام» لكننا نحاول أن نفهم ما يجري، ولسنا معنيين بالدفاع عنها لكننا نحاول أن نتفحص أساليب الإيقاع التي تلجأ إليها جهات لا تريد الخير للبنان أو لشعب لبنان. ولقد سبق لبيان رسمي صدر عن وزارة الخارجية الأميركية قبل فترة يؤكد أن الجماعة هي أحد تنظيمات «القاعدة»، وهو على كل حال ما يسقط التهمة الموجهة لسورية وللقوى الوطنية اللبنانية قبل أن تبدأ أية تحقيقات.
كانت الحرب الإسرائيلية على لبنان في تموز الماضي محاولة جادة لضرب المقاومة والقوى الوطنية اللبنانية لكنها محاولة باءت بالفشل، وعلى الأشهر التي انقضت على الحرب والمحاولات تتوالى لتفجير الوضع في لبنان دون أن يتحقق الهدف، وهو على الأرجح ما ناقشه وولش في زيارته الأخيرة مع الجهات المعنية في بيروت.
في هذه الأجواء جاءت معركة الجيش على «فتح الإسلام» في مخيم نهر البارد على أساس أن مقر الجماعة يوجد هناك، حيث تم تجاهل حساسية الوضع الفلسطيني ومعنى الاصطدام به في مثل الظروف الراهنة. لكنه تبين وبسرعة من خلال الصدامات التي وقعت أن سكان المخيم من المدنيين هم الذين كانوا ضحايا قصف الجيش، وأن للجماعة وجود خارج المخيم وفي قلب مدينة طرابلس ومحيطها...فهل يشير اختيار المخيم كهدف إلى أنه كان جزءا من خطة جعل اختيار «فتح الإسلام» كهدف أمراً ضروريا ربما لتأكيد التهمة السابقة لسورية ولابتزاز القوى السياسية اللبنانية، وعلى أساس أن «الصاعق الفلسطيني» مضمون وقادر على تحقيق الهدف وهو تفجير الوضع في لبنان؟ لذلك جاء دعم عملية الجيش بإجماع كل الأطراف بما في ذلك الفصائل الفلسطينية.
من الواضح أن معركة نهر البارد حلقة في مسلسل محاولات تفجير الوضع في لبنان، لكننا إذا تجاوزنا هذه الحقيقة الآن فإن السؤال المطروح هو كيف الخروج من هذا الفخ في ضوء مطالبة الجيش بتصفية «فتح الإسلام» وتهديد الأخير بتوسيع نطاق المواجهة الدائرة؟ لا شك أن الاشتباك الحالي هو بدفع جهات سياسية معروفة، ومع ذلك فإن إمكانية تطويقه ومن ثم إنهاءه لن يتحقق إلا بالطرق السياسية وليس بالطرق العسكرية. المشكلة هي في أن الطرق السياسية بين المعارضة اللبنانية وقوى السلطة تكاد تكون مقطوعة والأميركيون خصوصا حريصون على استمرارها مقطوعة، فما العمل؟
من المفترض أنه ليس هناك في لبنان ممن يريد مصلحة لبنان والشعب اللبناني يمكن أن يفكر يزج الجيش في الأزمة السياسية التي تعصف بلبنان، لكن الذين أوصلوا الأمور إلى الصدام المسلح مع «فتح الإسلام» لا يرون مانعا أو ضررا في الصدام الدائر إذ هم يطالبون بتوسيعه دون حرج. هؤلاء بالتأكيد لديهم نسخة تنفيذية من مخطط تفجير لبنان وعليهم أن يراجعوا أنفسهم قبل التوغل أكثر في طريق لن توصلهم أو غيرهم إلى السلامة. إن الوضع الحالي من الصدام يفتح على مخاوف مشروعة لدى الفلسطينيين وهو ما يزيد من تعقيده وخطورته، إذ من يضمن أن لا يؤدي توسيع الصدام إلى تعريض مخيم عين الحلوة مثلا لما يتعرض له الآن مخيم نهر البارد؟ الولايات المتحدة وإسرائيل يريدان تفجير لبنان على رؤوس كل المقيمين فيه... فهل يحقق لهما بعض اللبنانيين ذلك؟!
■ عوني صادق- خاص قاسيون