أحداث شمال لبنان، أبعادها ودلالاتها خيوط متعددة لخطة خفية هدفها التدويل وفرض 1559
تكثر التحليلات والتأويلات التي تتناول محاولة تفسير الأحداث الدموية التي يشهدها لبنان في محيط المخيمات الفلسطينية في شمال لبنان، والتي تتخذ عنوان المواجهة بين الجيش اللبناني من جهة ومنظمة فتح الإسلام من جهة أخرى. والواضح أن أبعاد المواجهة سالفة الذكر تتعدى إطارها المجابهاتي ليتم ربطها بإشكالات أخرى كقضية المحكمة الدولية وموقف الجارة سورية.
تمتلئ الصحافة الأجنبية بتقارير تبدو واردة من مصدر واحد، يحاول الربط بين هذه الأحداث والبحث الجاري في الأمم المتحدة بصدد مصير المحكمة الدولية، كما يجري الغمز بصورة مباشرة أحيانا وغير مباشرة أحيانا أخرى، من موقف المعارضة ومن موقف سورية بصورة خاصة.
الوقائع التي يتجاهلها مثل هذا التحليل كثيرة أبرزها:
1. إن الأحداث قد بدأت عندما قرر جهاز أمني هو غير الجيش اللبناني، وبدون التنسيق مع الجيش، تنفيذ عملية أمنية تستهدف عدد من عناصر منظمة فتح الإسلام على خلفية قضية سرقة مصرف في منطقة الكورة، والسؤال هو، هل يمكن في ظل الاتهامات الموجهة لهذه المنظمة إثر ما أعلن عن نتائج التحقيقات بجريمة التفجير في عين علق، توقع أن تبقى العملية المقررة بالمداهمة لمواقع هذه المنظمة في حدود إطارها الجغرافي؟ وهل أن تفادي الجهاز الأمني المعني والمحسوب على الفريق الحاكم اتخاذ القرار على ما يستحق من استعدادات لاحتمال توسعه وتحوله إلى مواجهة شاملة مع هذه المنظمة مجرد خطأ فني؟ وهل يمكن اتخاذ قرار المواجهة الشاملة من دون التنسيق مع الجيش اللبناني واتخاذه كل إجراءات الحيطة اللازمة والتي لا تضمن حماية عناصره من المذبحة التي تعرضوا لها وحسب، بل تحول دون تمكن عناصر هذه المنظمة من السيطرة على منطقة جغرافية واسعة ترتب على استعادتها تقديم الجيش لتضحيات كبيرة؟ فهل حدث كل هذا صدفة؟ ونتيجة خطأ في التقدير؟
2. عندما كتب الصحافي الأمريكي سيمور هيرش مقالته الشهيرة في صحيفة النيويوركر، وتحدث عن مخطط يقوده مستشار الأمن القومي في الدولة الخليجية الكبرى، لإنشاء ما سمّاه توازن رعب مع حزب الله عبر تسليح ورعاية المنظمات السلفية الأصولية ونقل عن لسان ضابط سابق في المخابرات الأميركية أن عناصر هذه المنظمات تحظى برعاية ودعم وتمويل وتسليح من دول عربية تدور في محور الاعتدال، ومن أجهزة أمنية محسوبة على الفريق الحاكم في لبنان، حدد هيرش بالاسم، فتح الإسلام وعصبة الأنصار وجند الشام، فهل أن ما نشهده يؤكد أم ينفي ما قاله وحذّر منه هيرش وقبل الاتهامات التي وجهت لفتح الإسلام؟
3. أليس من حقنا أن نتساءل عن الخطة الجهنمية التي تقوم على ضرب قوتين غير منضويتين في مشروع الفريق الحاكم وبالتالي المشروع الأميركي القائم على تفتيت المكونات الاجتماعية للكيانات الوطنية من جهة والاحتواء المزدوج لهذه المكونات من جهة أخرى، على طريقة ما يجري في العراق بداعي فشل الدولة الوطنية، وما نشهده اليوم استنزاف لقدرة الجيش وهيبته من جهة وتوريط للمخيمات الفلسطينية في حرب يصبح في نهاياتها طرح مستقبل السلاح الفلسطيني هو الهدف من جهة أخرى، وليس مجرد مصادفة ما سمعناه من كلام أوروبي وأميركي عن التذكير بالقرار 1559 وما يتصل بسحب سلاح الميليشيات الفلسطينية.
4. أما عن الصلة بالمحكمة فهي قطعا موجودة، فكلما بدا أن لبنان يعيش مناخات من التصعيد والمخاطر، يصبح الحديث عن فشل الدولة الوطنية والحاجة لتوسيع نطاق التدويل أكثر، فلبنان مهدد وعلى المجتمع الدولي توفير أدوات الحماية القانونية والمحكمة في مقدمتها، وهذا ما كان يحصل مع كل عملية اغتيال وتفجير عندما تتخذ ذريعة لتسريع إجراءات المحكمة، منذ اغتيال جبران تويني وصولا إلى اغتيال بيار الجميل.
5. سبق لمنظمة فتح الإسلام أن أعلنت أن أحد أهدافها هو ضرب القوات الدولية العاملة في جنوب لبنان، وسبق لسمير جعجع أن حذر من إمكانية تعرض هذه القوات لعمليات تستهدفها، يا للمصادفة؟ كما سبق أن قيل عن دور تلعبه المحكمة في إقرارها بموجب الفصل السابع في توتير المناخات بين القوات الدولية التي تحمل علم الأمم المتحدة وبين أبناء الجنوب الذين ينتمون إلى فريق المعارضة، والذين سينظرون إلى قرار التحدي كنوع من الخروج على الدور الحيادي للمنظمة الدولية وتحولها طرفاً في الصراع السياسي الداخلي الذي يشهده لبنان.
6. لبنان أمام مشروع حريق كبير يشكل المدخل لتوسيع نطاق الوصاية الدولية عبر المحكمة وسواها، وتبدأ أصوات العالم بالتحول إلى التشكيك بقدرات الجيش اللبناني، ويصل اللبنانيون على مشارف الاستحقاق الرئاسي وقد استنزفتهم الأحداث الأمنية ليصبح سقف الطموحات الوصول إلى تسوية، أي تسوية وبأي ثمن، ولو برئيس أمريكي الهوى والهوية.
■ شبكة فولتير