الافتتاحية «الأخضر واليابس» سورياًً..!

ما يقوم به الفريق الاقتصادي هو الإعلان عن السير نحو اقتصاد السوق الاجتماعي، وفي الواقع لم تبق أية ملامح اجتماعية في اقتصاده المطبق على أرض الواقع..

ـ الأسعار تشهد فلتاناً لم يكن له مثيل في تاريخنا القريب والبعيد، مع إصرار على إبقاء الأجور على حالها، والسير الحثيث نحو رفع الدعم، ولو بشكل مخفف مع كل آثاره التضخمية.

ـ مؤسسات قطاع الدولة الرابحة تتعرض لهجوم منفلت عليها، ولو كان الحديث متوقفاً عند المؤسسات الخاسرة لكان الأمر أهون، لكن أن تتعرض المرافئ ومعامل الإسمنت وغيرها من المؤسسات الاستراتيجية لغارات تهدف إلى خصخصتها فعلياً، فهذا أمر خطير.

ـ لكن أن يصل الانفلات إلى حد تهديد عمال القطاع العام الصناعي بالنقل والتسريح فعلياً، فهذه سابقة خطيرة لا يجوز السماح بتمريرها بأي حال من الأحوال..

ـ أما أن ينفلت الاستثمار من عقاله الخاص المحلي منه والخارجي، لكي يتوضع في تلك القطاعات التي يمكن أن تستنزف اقتصادنا وأجورنا، فهذا أمر لا يندرج في خانة الانفتاح المزعوم.

ـ وعن الفساد، فلا تحدّث، فقد ازداد انفلاتاً في بلد يواجه مخططات خارجية تدميرية تستهدف بنيته بشقيها الجغرافي والديموغرافي.

لقد رأينا انفتاحات عديدة سابقاً، في العديد من البلدان، أما هكذا انفتاح يقوم فعلياً بتدمير الأخضر واليابس، (دون الاعتذار من وليد جنبلاط وكل جماعة 14 شباط)، فهذا أمر كان نادر الحدوث، ولم يجرِ إلا في أسوأ الأمثلة التي يمكن أن يتذكرها التاريخ.. ولكن كل هذه التجارب والأمثلة الأسوأ لم تجرِ في أي بلد كانت أراضيه محتلة، ويتعرض هو نفسه لمخاطر وضغوطات خارجية استطاع أن يمانعها بنجاح حتى الآن...

والسؤال الأهم هو: هل ستقوي هذه السياسات الاقتصادية- الاجتماعية صمود البلاد وجاهزيتها للمواجهة؟ وأين سيكون المستفيدين القلائل منها في حال حدوث مواجهة متوقعة في وضع تتلبد فيه الغيوم ويزداد التوتر ويصبح احتمال انفجار الوضع في المنطقة خطراً حقيقياً وقريباً؟

ومن جهة أخرى لماذا يجري إرهاق ومحاولة جر الكتلة الرئيسية من شعبنا التي سيعول عليها عند حدوث أية مواجهة، إلى مواقع الاستياء والإحباط؟.

هل ما يجري في المجال الاقتصادي- الاجتماعي هو غلطة غير مقصودة نتيجة سوء تقدير، أم غلطة محسوبة يترتب عليها فلتان عام ليس فقط اقتصادي بل اجتماعي أيضاً مع كل مخاطره السياسية في لحظات حساسة نمر بها..؟

الأمران أحلاهما مرُّ.. فسوء التقدير لن يعفي من المحاسبة، والغلطة المحسوبة لن تعفي من الحساب  ساعةَ الحساب، لأن الأمور في نهاية المطاف تقاس بنتائجها، والنتائج أصبحت واضحة ومعروفة ولم يعد ممكناً المكابرة وإغماض العين عنها...

ـ فنفق ارتفاع الأسعار مستمر، ولن تحلّ المشكلة زيادات جزئية على الأجور، لأنه في ظلّ غليان الأسعار وتراكم الزيادات فيها، أصبح المطلوب مضاعفة الأجور، وعلى الاقتصاديين أن يحسبوا كم من المرات يجب أن يتم ذلك...

ـ أما نهوض الاقتصاد الحقيقي وزيادة الإنتاج فيه، فهو غير ممكن في المستقبل المنظور دون تغيير جذري في التوجهات الاقتصادية الكلية..

ـ وأخيراً وليس أخراً، نزيف الاقتصاد والبلاد مستمر عبر أقنية الفساد والنهب التي أصبحت خطراً على الأمن الوطني بمعناه العام والخاص، العام فيما يخص المجتمع والناس، والخاص بما يعنيه الدفاع عن الوطن بشكله المباشر..

لو كان الانفتاح الذي يقوم به الفريق الاقتصادي تجربة اقتصادية بحتة لا علاقة لها بالسياسي، لكان بالإمكان النقاش في الموضوع حتى لو اختلفنا.. أما أن يجري انفلات بحجة الانفتاح، وأن يكون له انعكاساته الاجتماعية السلبية ومن ثم السياسية، فهذا أمر لا يحتمل النقاش، لأن ما تحسمه الحياة يتوقف النقاش حوله..

إن الوقت الآن هو وقت تصليح نتائج الانفلات الذي جرى، وليس وقت استمرار النقاش حوله، لأن النقاش مع الفريق الاقتصادي ليس وقتاً مستقطعاً بالنسبة له يتوقف فيه فعله على الأرض، بل كما تبين الأحداث، هو مكسب يستفيد من فسحة وقته لزيادة وتعميق أفعاله على الأرض ولو بشكل تدريجي بطيء، ولكن مستمر... إن صمود سورية وانتصارها في المعارك القادمة مرتبط بلا أدنى شك، وإلى حد كبير، بإيقاف نفوذ الفريق الاقتصادي وسياساته الضارة، وفي ذلك ضمانة لكرامة الوطن والمواطن.