تقرير عن نشاط المجلس الوطني للجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين للاجتماع الوطني السابع
قدم الرفيق د. قدري جميل في مستهل الاجتماع الوطني السابع للجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين، الذي عقد في مطعم نادي بردى بدمشق يوم الجمعة 11/1/2008، تقريراً موسعاً عن عمل المجلس الوطني للجنة في الفترة الفاصلة بين الاجتماعين الوطنيين السادس والسابع، وهذا نصه:
أولاً: المقدمة:
ينعقد اجتماعنا الوطني السابع اليوم، بعد مرور عام وخمسة أشهر تماماً يوماً بيوم، على انعقاد الاجتماع الوطني السادس، وبعد مرور خمسة أعوام وثلاثة أشهر على انعقاد الاجتماع الوطني الأول..
لقد قطعنا سوية، كتفاً لكتف، خلال هذه الفترة المنصرمة طريقاً هامة ومجيدة، ولا بأس من إلقاء ضوء سريع على بعض ما قلناه وفكرنا به وعملناه خلال هذه الفترة، لأن ذلك سيسمح لنا بتقييم إجمالي، ويسمح لنا بتعميق رؤيتنا، وتحسين أدائنا، عبر معالجة موضوعية وانتقادية هادفة لتسريع تطورنا.
ولا بأس هنا من القول إنه حين إطلاق اللجنة الوطنية وإعلانها في نهاية عام /2002/ تبسّم البعض استهزاءً، واعتبروا أن مصير هذه الحالة لن يكون أحسن من سابقاتها، وأنها فقاعة صابون ستتلاشى سريعاً، ولكن الواقع والحياة قالا كلمتهما، وتبيّن أن السير نحو وحدة الشيوعيين هذه المرة، هي قضية جدية جداً، وهي في حالة تصاعد مستمر منذ انطلاقتها، هذه الحالة التي أدهشتنا قبل أن تدهش الخصوم. فأين يكمن السر في هذه الاستمرارية وهذا الزخم المتصاعد؟
لقد قال تقرير الاجتماع الأول حرفياً: «إن الأفق التاريخي قد بدأ بالانسداد أمام الرأسمالية العالمية، وإذا كان هذا الأفق مسدوداً بالمعنى التاريخي استراتيحياً، إلا أنه الآن قد بدأ الانسداد بالأفق الآتي القريب المدى، مما يعني أن توازن القوى الذي تكوّن خلال العقود الماضية لصالحه غير قادر على الاستمرار، بل العكس هو الصحيح فالخيار العسكري كخيار وحيد لحل المشاكل العالمية، ما هو إلا دليل على إفلاس عميق وأزمة مستعصية لا حل لها، وهذا يعني أن الأفق التاريخي لحركتنا قد انفتح على المدى المنظور مما سيغير ميزان القوى بالتدريج لصالحها».
وأكد أيضاً: «إن التقاط هذه اللحظة بالذات هو الذي يدفعنا للاستنتاج بأن الواقع الموضوعي أصبح يملي وحدة الشيوعيين التي كانت ضرورة وآملاً طوال الوقت، فإذا كنا محكومين بالتراجع خلال الحقبة الماضية، فإننا اليوم محكومون بالتقدم الذي سيسير بشكل أسرع كلما استوعبنا هذا الأمر بشكل أسرع».
وقلنا في الاجتماع الوطني الثاني في نيسان /2003/ إن الانعطاف الذي تحدثنا عنه وتوقعناه قد بدأ، وأضفنا حرفياً: «إن ذلك النظام الذي يجد في الحرب مخرجاً له، هو نظام يقف على أرضية الانهيار، مما يعني بدء تغير ميزان القوى لغير صالحه، أي لصالح قوى التقدم والتحرر والديمقراطية والاشتراكية، هذه العملية التي ستكون ضارية ومؤلمة، ولكنها سريعة من وجهة النظر التاريخية»... كما بيّن التقرير حرفياً: «إذا كانت إرادة وحدة الشيوعيين السوريين متوفرة دائماً، فإن تحقيقها في الظروف الآنفة كان شبه مستحيل، بينما تحقيقها في الظروف القادمة هو أمر أكيد إذا ما توفرت الإرادة لذلك، ونجح في التعامل مع الظرف الجديد بشكل خلاق وجريء» واستمر التقرير بالقول: «واليوم ما الجديد؟ إذا قلنا البارحة إن الامبريالية الأمريكية محكومة بالحرب، فإننا اليوم نستطيع التأكيد بأنها محكومة بتوسيع رقعة الحرب بغض النظر عن الاتجاه الذي سيسير فيه هذا التوسع، فحجم الأزمة الاقتصادية الأمريكية لا يمكن إلا أن يتطلب حرباً كبيرة غير محدودة الزمان والمكان حسبما يصرحون هم أنفسهم بحجة الحرب على الإرهاب». انتهى الاستشهاد واليوم، في أوائل 2008، أين وصلت الأزمة الامبريالية التي بتعمقها تنفتح الآفاق أكثر فأكثر أمام قطب الشعوب؟
1 ـ يقول المختصون إن حجم الدين الأمريكي نسبةً للناتج المحلي تبلغ اليوم 230 %، وتقوم الحكومة الأمريكية لتجنب الإفلاس باستدانة ملياري دولار يومياً، بينما في 1929 عام الأزمة الشهيرة الكبرى، كان حجم الدين 130 %، وقد وصل حجم الدين الأمريكي خارج المصارف إلى 29 ألف مليار دولار، وهو في تزايد يومي مع فوائده المركبة، وهذا ما يفسر إلى حد كبير الانهيار الجاري على قدم وساق لسعر صرف الدولار أمام العملات الأخرى، وارتفاع أسعار الذهب والنفط. والحل الواحد الوحيد أمام الامبريالية الأمريكية لتجنب الانهيار الاقتصادي المحتم، والذي سينقلها إلى دولة من الدرجة الثالثة أو الرابعة، هو الحرب، ثم الحرب، ثم الحرب!! هكذا تقول الحياة، وهكذا علمتنا التجربة، وهكذا تنبأت الماركسية.
2 ـ تترافق هذه الأزمة الامبريالية العميقة، مع انتشار عسكري كبير لم يسبق له مثيل من الامبريالية الأمريكية، حيث تتوزع على /575/ قاعدة في العالم، خارج الولايات المتحدة، وإذا كان عرض القوة هذا يبهر البعض، ويشلهم، ويجعلهم يسعون للانبطاح، فإن وقائع التاريخ تقول: إن انتشاراً كهذا هو لحظة عشية الانهيار، فالإمبراطوريات العظمى سقطت وهي في ذروة قوتها ولم تتلاشَ بالتدريج، منذ الاسكندر المقدوني، ولكن الفارق اليوم أنه إذا كان سابقاً الوصول إلى الذروة والانهيار يستغرق عشرات السنين، أو حتى بضع مئات منها، فإن الإمبراطورية الأمريكية ستضرب جميع الأرقام القياسية بسرعة الصعود، وسرعة الانهيار. وإذا كان سقوط الاتحاد السوفييتي عام 1991 هو إيذان بانتصار الإمبراطورية الأمريكية، فإن السنوات القليلة جداً القادمة ستجعلنا نشاهد مناظر انهيار الإمبراطورية الأمريكية، وهذا الانهيار بتفاعلاته وأبعاده، سيتجاوز الحدود الجغرافية للولايات المتحدة، وسيصل إلى أقصى نقطة على الكرة الأرضية، وصلت إليها الرأسمالية المتوحشة، هذا التوحش الذي هو صفة ملازمة لها، وأصبح بحق مرادفاً لها.
3 ـ لقد علّمنا لينين أن الرأسمالية قادرة على تجاوز كل أزماتها إذا لم تعاجلها ضربة البروليتاريا خلال هذه الأزمة، واليوم ما هي اللوحة استناداً لهذا الفهم اللينيني؟:
أ ـ «بعولمة» الرأسمالية، أصبحت أزمتها نفسها «معولمة»، وبالتالي فالانهيار نفسه لن يكون إلا «معولماً»، وما يصح على الجزء حسب مقولة لينين، أي الجزء بالمعنى الجغرافي، يصح على الكل في هذه الحالة، حسب ظروف اليوم.
ب ـ القوى المناهضة للامبريالية الأمريكية، طليعة الامبريالية العالمية، هي أوسع بكثير من قوى البروليتاريا بمعناها الكلاسيكي، فكل معاد للامبريالية لأي سبب كان أصبح موضوعياً معادياً للرأسمالية بشكلها الحالي المالي الربوي. وهنا يصح تماماً تطوير لينين لماركس عندما قال: يا عمال العالم، ويا أيتها الشعوب المضطهدة اتحدوا، وهذا الأمر يجري اليوم على قدم وساق، وسيتسارع بقدر توفير العامل الذاتي الواعي لهذه العملية، وقدرته على إدارتها والتحكم بها.
بعد كل هذا، ألم ينكشف سر استمراريتنا؟ وتصاعد حالة اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين؟ هنا بالذات يكمن الجذر الأساسي ولكن ليس الوحيد لنجاح حالتنا، هذا النجاح الذي لن يجعلنا نصل إلى حالة الرضى عن النفس، فأمامنا الكثير الذي يجب أن نقوم به، وبالذات في إطار تطوير مسؤوليتنا فيما يخص العامل الذاتي، هذا الأمر الذي يتطلب تطوير بنيتنا وآليات عملنا وأشكال نشاطنا بشكل أن نكون على مستوى الظرف الموضوعي الذي يتكون، وحتى نكون عند حسن ظن لينين الذي طالبنا بتوجيه الضربة للرأسمالية خلال أزمتها، مما يقتضي منا أن نقوم بحصتنا المتواضعة من هذه المهمة.
ثانياً: وحدة الشيوعيين والوحدة الوطنية:
لا شك أن اندفاع الامبريالية العالمية، وفي مقدمتها الامبريالية الأمريكية نحو منطقتنا، هو هروب من أزمتها، وتنفيذ لمخططاتها التي تهدف إلى تذرير المنطقة من باكستان إلى لبنان على أسس طائفية ودينية وأثنية، يتطلب بذل جهود استثنائية لإحباط هذا المخطط، والسلاح الأساسي الفعال من أجل تحقيق ذلك هو تأمين أوسع وحدة وطنية على أساس برنامج واضح معاد للامبريالية بتجلياتها المختلفة، خارجية: احتلال ـ استعمار ـ حصار، وداخلية: سوء توزيع دخل ـ فقر ـ بطالة، التي تستخدم أدوات الخصخصة، وإلغاء دور الدولة، عبر السياسات الليبرالية الجديدة للوصول إلى أهدافها. إن تحقيق الوحدة الوطنية وتصليبها، هو هدف مقدس، ولكن عدم تحقيق وحدة الشيوعيين السوريين، يلعب دوراً معيقاً في تحقيقها، لماذا؟
1 ـ لأنه يفقدهم مصداقيتهم أو يضعفها في أحسن الأحوال، تجاه النضال لتحقيق الوحدة الوطنية، فأقل ما يقال في هذه الحالة: كيف تريدون تحقيق الوحدة الوطنية، إذا كنتم أنتم غير موحدين، وهو كلام حق، لذلك فإن إعاقة وحدة الشيوعيين السوريين، هو إعاقة للوحدة الوطنية.
2 ـ غني عن البيان، أن عدم وجود حزب للشيوعيين السوريين، واحد موحد يضعف القوى الوطنية، لأنه يفقدها تماسك أحد أهم مكوناتها وبالتالي، وبغض النظر عن الإرادات، من الناحية الموضوعية يصبح هذا الأمر أمراً سلبياً، لأنه يفقد الحركة الوطنية زخماً وقوةً واندفاعاً وتأثيراً بين الجماهير. والمفارقة اليوم أن الظرف الموضوعي يسمح لأول مرة منذ أكثر من خمسين عاماً بتوحيد حقيقي للتيارات الأساسية المكونة للوحدة الوطنية الإسلامي واليساري والقومي، فالتقارب بينهم على أرضية مواجهة مخططات الخارج لم يسبق له مثيل في التاريخ، وهذه الحالة، إذا لم يتم ملاقاتها بشكل جدي من أجل تحقيقها وترجمتها على الأرض، فسيتحمل الشيوعيون السوريون مسؤولية تاريخية عظيمة أمام الأجيال المقبلة، وأصلاً منذ الآن يقال لنا إذا لم تتوحدوا الآن في ظل الهجمة الامبريالية الشرسة على البشر والحجر، فمتى ستتوحدون؟؟
3 ـ إن الإصرار على عدم تحقيق وحدة الشيوعيين السوريين، بل أحياناً عرقلتها سيضع الذين يقومون بذلك، ليس خارج الحركة الشيوعية فقط، لأنها ستتوحد عاجلاً أم آجلاً، بل سيضعهم أيضاً خارج الحركة الوطنية بأسرها. ولدينا أمثلة على ذلك في بلدنا، فبعض الذين لعبوا دوراً أساسياً في الانقسامات السابقة، وعرقلوا التوحيد بحجج ما أنزل الله بها من سلطان، خرجوا من الحركة الشيوعية أولاً، ومن ثم هم يخرجون الآن علناً من الحركة الوطنية بترحيبهم بتصريحات بوش الداعمة لهم.
وهنا ينبغي التوقف قليلاً عند مواضيع الحوار الوطني، وموقفنا من إعلان دمشق.
تعلمون أيتها الرفيقات والرفاق جميعاً، أنه قد بدأت ندوات الحوار الوطني بمبادرة من قبلنا في جلسات البلازا الأولى والثانية في نيسان وتشرين الأول عام 2004 والتي أفضت إلى إقرار وثيقة «الوطن في خطر» في 11/11/2005 وتشكيل لجنة المبادرة للحوار الوطني، وقد عملت لجنة المبادرة هذه خلال 2006 بشكل جيد، وتباطأ عملها في عام 2007، ولا نكشف سراً إذا قلنا إن قسماً من المشاركين في صياغة الوثيقة الوطنية كنتاج لجلسات البلازا الأولى والثانية اختفى دون تفسير حين إشهار الوثيقة الوطنية والتوقيع عليها في تشرين الثاني 2005، وعزينا ذلك في حينه إلى ملابسات «إعلان دمشق»، والذي وقع عليه فعلاً بعض المشاركين في صياغة الوثيقة الوطنية والتي سبق التحضير لها «إعلان دمشق» بكثير من الوقت، وقد حددنا موقفنا بشكل واضح وصريح ودون لبس أو غموض من إعلان دمشق منذ اللحظة الأولى، وقلنا إن توقيته بحد ذاته هو استقواء بالخارج، وكان لنا ملاحظات جدية على بعض الموقعين عليه والمؤيدين له، ولكننا قلنا بآن واحد: إن الموقف من الإعلان شيء، والموقف من بعض الموقعين عليه شيء آخر، إذ لا بد أن توضح الأيام للبعض الوطني منهم أن هذا الطريق مسدود، وأنهم قد أخطؤوا التقدير، وأصرينا على الحفاظ على علاقات ودية معهم، والآن، بعد أن تبين الخيط الأبيض من الأسود، وبعد المجلس الوطني الأخير لإعلان دمشق، وما نتج عنه من انزياح واضح من حيث البنية والسياسة باتجاه الولايات المتحدة والسياسات الليبرالية، نقول: إن الجو يتطلب ليس فقط إحياء لجنة المبادرة وتنشيطها، بل الانتقال إلى مستوى أعلى وجديد، هذا المستوى الذي عبّر عنه بلاغ لجنة المبادرة للحوار الوطني في 17/11/2006 حيث قال حرفياً: «إن الوضع يتطلب تطوير عمل لجنة المبادرة بحيث يتم الارتقاء بالصيغة الحالية، إلى صيغة أكثر تطوراً، يجري الاتفاق عليها نهائياً في اجتماع موسع لاحق، يضم جميع من شارك سابقاً في إقرار وثيقة «الوطن في خطر» (إعلان البلازا) إضافة لمن يرغب من شخصيات وطنية واتحادات وتجمعات ونقابات مهنية وأهلية وقوى سياسية وطنية.
ـ نعتبر وثيقة: الوطن في خطر، هي الأرضية المشتركة للتحضير للاجتماع الموسع اللاحق، مع الأخذ بعين الاعتبار أنها قابلة للتطوير والتجديد على ضوء الظروف التي استجدت منذ ظهورها.
ـ يتم بحث تسمية التجمع بشكله الجديد، في الاجتماع الموسع الذي سيناط به انتخاب لجنة دائمة لإدارة العمل اللاحق».
وهنا لا بد من الإشارة أن معالجة الخلافات السياسية بالأساليب الأمنية هو أمر مضر ويعطي نتائج عكسية لا تفيد الحركة الوطنية المعادية للامبريالية.. إن الاعتقالات الأخيرة لجماعة إعلان دمشق قد منعتنا ومنعت الكثيرين غيرنا من تناول مواقفهم وطروحاتهم بالنقاش المعمق الهادف، لأنهم ليسوا في وضع يسمح لهم بالدفاع عن أنفسهم...
إن الإجراءات الأمنية البحتة في قضايا سياسية، تعيق المعالجة السياسية التي ستحدد في نهاية المطاف من سيكسب عقول وقلوب الناس.
بمقدورنا مواجهة الرأي بالرأي، والحجة بالحجة، والفكرة بالفكرة، أن نحطم إلى غير رجعة كل الأطروحات السياسية التي نتجت عن الانزياح الأخير لإعلان دمشق، ونتمنى أن يتطور الأمر ويحصل الانفراج الذي يسمح لنا بأن نقوم بهذه المهمة...
وهكذا ترون أيتها الرفيقات، أيها الرفاق، أن عملنا لتحقيق الوحدة الوطنية عبر الحوار الوطني يسير بشكل مواز لعملنا من أجل وحدة الشيوعيين السوريين والعمل بهذا الاتجاه كان في الظروف الجديدة سبّاقاً، ولم يكن رداً على أحد بل كان استجابة لضرورة موضوعية، ونحن متأكدون اليوم أننا قادرون على إعلان الصيغة الجديدة (الائتلاف الوطني المقاوم) مثلاً، في أقرب فرصة وقريباً جداً، ويجب تكليف المجلس الوطني الجديد للجنتنا، للتركيز على هذا العمل وإنجازه خلال الأسابيع القادمة.
أيتها الرفيقات أيها الرفاق،
لقد قلنا منذ البداية إننا ضد أن نحشر في زاوية الثنائية الوهمية /معارضة ــ نظام/، ليس فقط لأن الاصطفافات على أساس هذه المعادلة غير حقيقية، بل مضرة، وانطلاقاً من أن الاصطفاف في المجتمع والنظام نفسه أعقد بكثير من هذه المعادلة التبسيطية.
وأعلنا منذ البداية أننا معارضة، ومعارضة حقيقية وطنية ضد كل من يريد تمرير مخططات الخارج الامبريالي ـ الصهيوني، وهؤلاء كما تعلمون موجودون هنا وهناك، ونحن أيضاً معارضة حقيقية يسارية ضد كل من يمس لقمة الشعب وينهبه، وهؤلاء أيضاً موجودون هنا وهناك، فالسياسات الليبرالية الجديدة هي حصان طروادة التي يراد عبرها نسف البلاد من الداخل عبر الهزات الاقتصادية ـ الاجتماعية، وهنا لا بد من الإشارة أنه في اجتماع البلازا الثاني تشرين 2004 أعلنا أن الليبرالية الجديدة هي خطر على السيادة والوحدة الوطنية، فانبرى للهجوم علينا إعلامياً وبشكل غير مسبوق بعض المحسوبين على المعارضة، فقلنا لهم: نحن قصدنا بالكلام المقول حلفاءكم المتخفين بعباءة النظام والموجودين في أجهزة الدولة، وخاصة في مراكز القرار الاقتصادي والذين لا يتكلمون كثيراً حول هذا الموضوع، ولكنهم يمارسونه على أرض الواقع من خلال مشاريع الخصخصة وتخفيض دور الدولة في الحياة الاقتصادية وخلق الأجواء المناسبة لزيادة تمركز الثروة وإفقار الشعب..
إذاً البلاد بحاجة إلى ثنائية وطنية حقيقية تعبر عنها ثنائية معارضة ـ نظام مصوغٌ بشكل جديد، وهذا يضعنا أمام مهمة مزدوجة، وهي المساهمة في تنظيف النظام نفسه، والمعارضة بطبيعة الحال، من أية سياسات وممارسات تمثل بنتيجتها اختراقات للخارج الامبريالي الربوي المتوحش...
قد يقول قائل إن النظام وطني، فلماذا هذه المهمة الوهمية؟
نعم إن سياسات النظام في القضية الوطنية العامة، تعكس بمحصلتها مزاج وتقاليد الشعب السوري الوطنية، رغم بعض الترددات هنا أو هناك، أو التقديرات الخاطئة في هذه اللحظة أو تلك، ولكن بنية النظام تحمل مشكلة هي نفسها التي أنتجت خدام، وهي على الأرجح مشكلة موجودة في أي جهاز دولة عبر التاريخ. والسؤال هو: كيف يمكن منع إعادة إنتاج أمثال خدام؟ نقول هذا الكلام كشيوعيين لأن مصابنا الفادح بخسارة الاتحاد السوفييتي كان نتاجاً للمشكلة نفسها، ويمكن تلخيصها بأن الردة تاريخياً تحصل فقط من داخل جهاز الدولة، وخاصة إذا رُفعت عنه رقابة المجتمع... ونحن بطبيعة الحال لا نريد تكرار المصاب الفادح، بل نريد الاستفادة من دروس غيرنا.
ورقابة المجتمع تحتاج إلى معارضة حقيقية مسؤولة وطنية، وكان طموحناً من خلال الوثيقة الوطنية هو الوصول إلى هذا الهدف الذي سنبقى نسير إليه رغم الصعوبات والإعاقات التي نرى ونعرف من أين تأتي، إنها تأتي من قوى مختبئة في ثنايا الثنائية الوهمية التي أوصلت العراق المقاوم اليوم، إلى المصير الذي نراه، والذي نريد منع تكراره لدينا، هذا الهدف الذي تسعى إليه الامبريالية الأمريكية بإصرار بالتعاون مع إسرائيل الصهيونية.
وهنا لا بد من الإشارة إلى نقطة الضعف الأساسية التي تعيق تطوير الوحدة الوطنية وهي السياسات الاقتصادية ـ الاجتماعية التي يقف على رأسها الفريق الاقتصادي اليوم... لقد أوصلت البلاد إلى حافة الكارثة بكل معنى الكلمة وخلقت مشكلة جدية يمكن أن تستخدم في أية لحظة من العدو الخارجي لتمرير مخططاته الشاملة..
لقد آن أوان رحيل هذا الفريق الاقتصادي مع ما يمثله من سياسات أضرت بالدولة وبالعباد... وآن أوان إحداث تغيير في التوجه الاقتصادي ـ الاجتماعي نحو مصلحة الناس ولقمتها التي تتضرر بشكل متسارع من ارتفاعات الأسعار التي تزيد الأغنياء غنى والفقراء فقراً...
ولكن ذلك لن يتحقق بالتمني، بل يحتاج إلى يسار في المجتمع موحد وقوي، يعمل كتفاً لكتف إلى جانب المكونات الأخرى للوحدة الوطنية: الإسلامية الوطنية والقومية الشريفة، لذلك ننتقل إلى موضوع:
ثالثاً: وحدة الشيوعيين واليسار:
أولاً: يجب القول إنه بعد كل ما حصل فإن مفهوم اليسار نفسه بحاجة إلى إعادة تعريف.
فاليوم نحن أمام مفارقة، سببها الانهيارات التي جرت.. إن قسماً من اليسار السابق انتقل إلى مواقع العدو الامبريالي، ليس فقط سياسياً، بل عملياً أيضاً، مع المحافظة طبعاً على اليافطة السابقة.
ولا بأس أن نعترف أن قسماً من اليمين السابق انتقل إلى مواقع الحليف سياسياً، وإلى حد ما عملياً، وأيضاً مع الحفاظ على اليافطات السابقة. فنشأ وضع فريد من نوعه على أرض الواقع: يسار اسمي ويسار فعلي. يسار اسمي يمارس دور يمين فعلي، ويسار فعلي يمارس دور يسار حقيقي. وكذلك من الطرف الآخر يمين اسمي يمارس دور يسار فعلي، ويمين فعلي يمارس دور يمين حقيقي... وهذا ما يؤدي إلى التباسات واختلاطات كثيرة تؤثر على العمل السياسي، وخاصة بين أوساط الجماهير التي تقف إلى حين، متفرجة كي تستجلي الحقيقة.. وتقرر اتجاهها.
إن مصلحتنا تكمن في القطيعة الفعلية مع اليسار الاسمي الذي خان قضيته، والربط الحقيقي مع ذلك الذي كان يسمى في غياهب التاريخ يميناً والذي يسير أحياناً حتى على يسارنا نحن على الأقل في الممارسة...
كيف الطريق إلى ذلك؟ بسيطة.. لدينا ورقة عباد شمس هي الموقف من الامبريالية الأمريكية وإسرائيل الصهيونية والسياسات الليبرالية الجديدة في الداخل الممثل الشرعي والوحيد للامبريالية العالمية، سنحدد موقفنا من أي كان على أساس لون ورقة عباد الشمس حين سنغطسها فيه، وعلى هذا الأساس نقرر تحالفاتنا اليسارية وحواراتنا وعلاقاتنا وتنسيقنا ووحدتنا أيضاً...
آخذين بعين الاعتبار طبعاً، خصوصية سورية النسبية، وهي أن اليسار في بلادنا تاريخياً لم يكن موجوداً خارج إطار الحركة الشيوعية بمعناها التاريخي... وإن كانت قد نشأت بعض الفصائل التي كننّا لها الاحترام، في فترة تراجع حركتنا منذ أواخر الستينات، فإن ذلك لا يغير في جوهر الأمر شيئاً، ولا يعني أننا غير مستعدين للحوار معها، ولكن بعد مرورها باختبار ورقة عباد الشمس.. أي باختصار إن موقفها هي.. هو الذي يحدد موقفنا منها.. موقفها السياسي والعملي... لماذا إضافة كلمة العملي؟ ألا يكفي الموقف السياسي؟ للتوضيح... مثلاً القاعدة موقفها السياسي المعلن ضد الولايات المتحدة شيء، ولكن موقفها العملي مع قرائن أخرى عديدة يضع إشارات استفهام كبيرة وكبيرة جداً... والمرض الذي تفاقم في حركتنا اليسارية خلال مرحلة التراجع التي نعتبرها انتهت... هي الطلاق بين القول والفعل....
لذلك لن نكتفي اليوم بالإعلان السياسي لأحد ما لتحديد موقفنا، وإن كان هذا الإعلان شرط ضروري ولكنه غير كاف... الشرط الكافي هو الموقف العملي، الواقعي...
مثال:
طلب منا التجمع اليساري الماركسي الانضمام إلى الحوار قبل إعلانه إلى الوجود، فقلنا لهم ببساطة: لقد وقعنا في حينه على ميثاق شرف الشيوعيين السوريين الذي أقسمنا فيه وتعهدنا بالإقلاع عن قول شيء وعدم القيام به... فإما لا نقول ولا نفعل، وإما أن نقول ونفعل.. انتهى عصر نقول ولا نفعل...
لذلك حينما نقول عن أنفسنا إننا يسار، وقسم منّا موقع على إعلان دمشق إلى جانب الإخوان المسلمين التي أعلنت قيادتهم في لندن قبل الإعلان بستة أشهر: «أن شمس الحرية أشرقت على العالم» «وأن المراكز الدولية التي دعمت أنظمة الاستبداد قد أقلعت عن هذه العادة»، فكيف سنواجه جماهير الشعب وقواعدنا بعد ذلك؟؟ أين ستكون مصداقيتنا؟ وطلبنا منهم توحيد الموقف من «إعلان دمشق» الذي لا يمكن اعتباره فعلاً سياسياً تكتيكياً عابراً ضمن السياسات الجارية التي يمكن الاختلاف عليها ضمن الحزب الواحد أو التيار الواحد، لأن أهداف صانعيه الحقيقيين ومراميهم كانت واضحة لدينا منذ البداية، وانكشفت للعيان أخيراً، لأن هذه النيات والمواقف ليست مستجدة بل مبيتة ومحضرة منذ البداية...
والخلاصة نحن مع أوسع حوار يساري، ولكن نجاحه الحقيقي منوط بانتصار وحدة الشيوعيين السوريين التي ننتقل للحديث عنها.
رابعاً : وحدة الشيوعيين السوريين والشيوعيين:
لقد أصبحت وحدة الشيوعيين السوريين نهجاً عميق التأثير في أوساط الشيوعيين السوريين، وهي تحظى بتأييد قوى وطنية واسعة وتتمنى لها النجاح...
لقد رأينا وحدة الشيوعيين السوريين منذ البداية انطلاقاً من المرتكزات التالية:
ـ الوحدة ضرورة والإمكانية اليوم متوفرة لتحقيقها.
ـ الإعاقة ستأتي من فوق، من بعض القيادات المتنفذة.
ـ الوحدة يجب أن تتم من تحت لفوق.
ـ الحوار يجب أن يتم على كل المستويات دون تمييز.
ـ الوحدة ستتم عبر البوابة الرئيسية ألا وهي عودة الحزب إلى الجماهير...
ـ الوحدة تعني إعادة بناء الحركة واستعادة دورها الوظيفي وليس تلصيق الفصائل الموجودة لصقاً.
- وجود فصائل شيوعية لا يعني حتماً وجود حزب يمارس دوره الوظيفي التاريخي.
لقد حققنا نتائج هامة في الوعي الشيوعي بإطلاق اللجنة الوطنية وعملها، وتجلى ذلك بالدرجة الأولى على مستوى القواعد والكوادر بشكل جيد، أما على مستوى القيادات فكانت وما تزال النتائج متواضعة وهو أمر متوقع وغير مستغرب...
والمعادلة التي تتكون اليوم هي بقدر ما يقوى تيار الوحدة من تحت من خلال العمل الجماهيري والسياسي بقدر ما تضطر القيادات المتنفذة إلى التعاطي مع الحالة تحت خطر الانعزال والتقوقع النهائي وكي لا يصبح أمر التعاطي هذا مناوراتياً ومؤقتاً وعابراً، يجب استمرار تقديم المبادرات والاقتراحات، وتطوير النشاط الجماهيري من تحت بالدرجة الأولى.
في هذا السياق أتت مبادرة اللجنة الوطنية في 25 حزيران 2007 والتي قالت حرفياً بضرورة «تشكيل مجلس تشاوري مركزي تكون مهمته تنقية وتطوير أشكال العمل المشترك فيما يخص القضايا السياسية الكبرى والقضايا التي تمس مصالح الجماهير الشعبية المباشرة وصولاً على التوحيد اللاحق الذي ستنضج ظروفه بالتدريج».. كما رأت المبادرة.
لقد كانت هذه المبادرة خطوة هامة لتطوير زخم عملية التوحيد وهي لعبت هذا الدور على مستوى ما تحت القيادات المركزية....
أما على مستوى هذه القيادات فماذا حصل؟
ـ أرسلت هذه المبادرة إلى القيادتين بشكل كتابي، فصيل صوت الشعب.. تجاهل الموضوع تماماً، أما فصيل النور فقد رد بشكل غير مباشر عبر مقال للرفيق حنين نمر نشر في النور، شرح فيه وجهة نظرهم التي تطالب بالتنسيق والعمل المشترك على كل المستويات.
ما الذي حصل فعلاً؟
ـ على مستوى المركز لم يجرِ أي اتصال رسمي رغم مبادرتنا.. اللهم إلا إذا اعتُبرت اللقاءات الشخصية جزءاً من هذا الاتصال...
ـ على مستوى المحافظات جرت حالات تنسيق في نشاطات محددة متفرقة ولم تجر محاولة لتشكيل لجنة تنسيق إلا في محافظة واحدة فقط لا غير أي في المحصلة لم يجر تقدم ملموس... وما زال الاستعصاء في الحوار الذي يجب أن يكون مفتوحاً قائماً... والفرق اليوم أن فصيل صوت الشعب لا يطالب بهذا الحوار ولا يريده، أما فصيل النور فقد تقدم خطوة باتجاه الموافقة عليه ولكن لم يقترن ذلك حتى الآن بعمل ملموس حقيقي..
ما هي الخيارات اللاحقة أمامنا؟ وهذا ما يجب أن يناقشه اجتماعنا ويصل إلى نتائج ملموسة وقرارات فيه..
الخيار الأول: العمل باتجاه تحقيق مبادرتنا السابقة بمن حضر على مستوى المركز والمحافظات، الأمر الذي يعمل ضده العامل الزمني الذي يستعجلنا في تحقيق اختراقات جدية على هذه الجبهة.
الخيار الثاني: مناقشة موضوع تشجيع الحزبين على التقارب وفتح حوار بينهما، وخاصة أنهما يعملان تحت سقف الجبهة ولا موانع موضوعية من وحدتهما بل هي ذاتية بحتة، فكل القضايا التي تم الانقسام عليها قد تجاوزتها الحياة، بل أن الجيل الذي توزع على القيادتين في حينه قد انتقل معظمه إلى العالم الآخر وأتى إلى القيادات جيل ليس لديه تلك الحساسيات الشخصية الحادة التي طبعت مرحلة الصراع بطابعها.. ونقول تشجيعهما والتنحي مؤقتاً جانباً إلى حين اتفاقهما، ويصبح حينذاك التفاهم معنا أسهل بكثير... لأنه لا شروط ولا عُقد لنا إلا شرط وحدة الشيوعيين...
الخيار الثالث: إعلان استعدادنا الجماعي منذ هذه اللحظة للانخراط في أي فصيل يقبلنا جميعاً كأعضاء دون استثناء أحد، ودون المطالبة بأية مواقع، شرط التعامل معنا كأعضاء كاملي الحقوق والواجبات مع الاحتفاظ بحقنا بإبداء آرائنا حول مختلف القضايا مع رفع الأحكام العرفية في الفصيل الذي سيوافق على هذا الاقتراح ضمن فترة زمنية يُتَّفق عليها، أي تجميد فصل العقوبات في النظام الداخلي... إن كل ذلك يعني خلق نموذج جديد في التوحيد لا مكان فيه للمحاصصة والتوزيع المسبق للمكاسب، وهو السبب الرئيسي في فشل كل محاولات التوحيد السابقة، الأمر الذي يتطلب فقط لا غير، إيجاد الآلية المناسبة لضم الرفاق وإعادة تشكيل وتوزيع المنظمات.
هذه الخيارات المطروحة أعلاه هي خيارات افتراضية مجردة للنقاش وإبداء الرأي فيها، ويبقى الطريق الرئيسي هو تطوير بنيتنا وآلياتنا على طريق تكوين الحزب الشيوعي الحقيقي، وهو ما سيكون موضوع نقاش جلستنا القادمة..