الافتتاحية بأيّة حال عدتَ يا عيدُ؟
تأتي الأعياد المختلفة قبيل رأس السنة الجديدة، في جوّ تعاني فيه أكثرية المجتمع من ضغوطات اقتصادية واجتماعية كبيرة تؤدي إلى إرهاق معنويّ ونفسيّ لم يسبق له مثيل، مما يتطلب وقفةً للقيام بجردة حساب على السنة التي تنقضي لنرى أين كنّا؟ وأين أصبحنا؟ ومن يتحمّل مسؤولية النتائج الماثلة للعيان؟
فالفريق الاقتصادي الذي يمسك بزمام القرار في مجاله يبشرنا بنجاحاته المتتالية والمتصاعدة في مجال النمو ومكافحة البطالة والقضاء على الفقر... بينما الواقع ولسان حال الناس يقول شيئاً آخر...
ـ يقول: إذا كان النمو أمراً حاصلاً فلماذا لا نستفيد من نتائجه؟ وإلى متى سننتظر في تحمّل مشقات الحياة وأعبائها التي تتزايد باستمرار؟
ـ يقول: إن كان النمو أمراً حقيقياً، فلماذا تبحث الحكومة عن مواردها في جيوبنا، أَهي المطرح الوحيد في البلاد لتأمين الموارد؟ لماذا لا تنظر الحكومة باتجاه آخر، باتجاه جيوب الأغنياء التي انتفخت كثيراً، ومَن يخدم مَن؟ الحكومة تخدمنا، أم نحن يجب أن نخدم الحكومة وفريقها الاقتصادي الذي لم يتجرأ حتى اللحظة على القيام بإجراء واحد جدّي ضدّ الذين يستولون على قوت الشعب ويراكمونه في مشاريع غير منتجة، أو في مكان آخر خارج الحدود؟؟
ـ يقول: إذا كان القضاء على البطالة يجري بوتيرة قياسية، كما يدعون، فلماذا تزداد هجرة العقول؟ ولماذا تزداد الانحرافات الاجتماعية التي يجعلنا أحد أشكالها ننافس بعض دول أوروبا الشرقية بعد الانهيار الذي حصل فيها في تصدير الرقيق الأبيض إلى دول الخليج؟؟؟
ـ يقول: كيف يجري القضاء على الفقر، وأجورنا لم تتزحزح منذ سنوات، والأسعار تزحف إلى الأمام بسرعة قياسية؟
هذه الأسئلة مشروعة، وهي تعبير عن احتقان لا يجوز استمراره مع ما يحمله من أخطار على البنية الاجتماعية التي يمكن أن تتحول إلى صاعق تفجير خطير للاستقرار السياسي في البلاد، في وقت يهتزُّ فيه كل الجوار بسبب السياسات التدخلية الاستعمارية الفظّة للاستعمار الأمريكي وحليفه الصهيوني.
وكي لا يستمر هذا الاحتقان، يجب إزالة أسبابه التي تتمثل في السياسات الاقتصادية المتّبعة... ولكن المؤشرات الأخيرة لا تنبئ أن الفريق الاقتصادي قد تعلّمَ شيئاً من تجارب غيرنا، ومن تجاربنا نفسها في الماضي القريب.
ـ فموازنة 2008 بشكلها الأخير، لها دلالات سيئة من حيث تخفيضها الفعلي للاستثمار في الاقتصاد الحقيقي، ومن حيث حجم العجز فيها الذي يساوي ثلثها، بما يحمله من أخطار تضخمية قاتلة على تطوّر الأسعار اللاحق.
ـ كما أن إعادة الكرّة في محاولته رفع الدعم عن المحروقات، تؤكّد أنه لا يعي أن المجتمع حينما صوّت بأكثريته الساحقة ضدّ رفع الدعم، إنما هو سحب الثقة من هذا الفريق الاقتصادي الذي لم يعد من المسموح له التلاعب بقضايا مصيرية، وأصبحت مهمته إلى حين استبدال سياساته هي تصريف أعمال فقط لا غير.. وهم إذا أصرّوا على ذلك إنما يتجاوزون صلاحيتهم، ويسيؤون استخدام سلطتهم... وهو أمر سيحاسبون عليه عاجلاً أم آجلاً أمام الشعب والتاريخ..
ـ كما أن الولع بالقرارات والمشاريع التي تهمّ الأغنياء، وإدارة الظهر للفقراء وأصحاب الدخل المحدود، وصل إلى درجة أصبحت تمسّ الأمن الوطني بمعناه العام. فماذا يعني استمرار تحرير التجارة دون الالتفات لتقوية الاقتصاد الحقيقي؟ وماذا يعني السّماح لغير السوريين باستملاك الأراضي والعقارات؟ وماذا تعني سوق المضاربة المالية؟ فتحرير التجارة بالشكل الذي تتمّ به هو تقييد لنا، وتحرير لغيرنا. واستملاك الأراضي لغير السوريين سيفتح ثغرةً كبيرة بحجّة الاستثمار تمسُّ كياننا الوطني بكامله، أما السوق المالية في الشروط الدولية الحالية ودون حواجز جدّيّة، فتعني قوننة انتقال ملكية أموالنا الإنتاجية إلى غير أيدينا...
إن محصّلة هذه الإجراءات إذا نُفّذت على الأرض، لن تحقق نمواً، ولن تقضي على البطالة، ولن تحارب الفقر، بل العكس تماماً الذي سيتمّ... وسيتطلب الأمر سنوات وسنوات لإصلاح ما تخرّبه اليوم هذه السياسات...
لقد حان الوقت اليوم.. اليوم وليس غداّ، لوقفة مراجعة جدّيّة تعيد النظر بسياسات الفريق الاقتصادي وتوجهاته، وإصلاح مسار التطور جذرياً كي لا تستمر زفرة؛ «بأيّة حال عُدتَ يا عيدُ».. وفي ذلك ضمانة لكرامة الوطن والمواطن...