دع الموتى يدفنون موتاهم!

بلغ الحزب الشيوعي السوري عامه الثالث والثمانين (1924-2007) في شهر تشرين الأول؛ وقد بلغ من العمر عتياً، وغدا أشلاء مقسمة؛ ولم يبق منه سوى الاسم الواحد يستخدمه زعماء الأقسام بمناسبات معينة لتقوية مناصبهم وترسيخ التشرذم والانقسام. وبمناسبة ذكرى تأسيسه هذا العام  أقام زعماء الأقسام- كما في السنوات السابقة – احتفالات ومهرجانات احتفاء بمولد الحزب، علماً أن جسمه قد تمزق وانقسم منذ (35) عاماً، وبات اليوم واضحاً للجميع مدى الضعف والتراجع الذي بلغه، ولا يعرف المواطن السوري اليوم، وخاصة الشاب أي قسم من هذه الأقسام هو الحزب لأن الجميع يطلق على نفسه اسم الحزب الشيوعي السوري، فمسكين اسمه كم من الادعاءات والخطابات العنترية ارتكبت وترتكب باسمه.

ويبدو أن قيادات الفصائل قد بلغت اليوم درجة جديدة من العزلة (والتعالي في الوقت ذاته) عن قواعدها وما بقي من الجماهير، بحيث انعدمت رؤيتها السياسية للواقع ومتغيرات توازنات القوى، وبدل أن يتداركوا شيئاً من حجم المفارقة الهائلة بين استحقاقات الواقع واللغة الغريبة العجيبة السائدة في (المهرجانات) – الذكرى، وبدلاً من أن يتنادى الزعماء للاشتراك باحتفال واحد، وبدلاً من أن يتكلم كل منهم عن تاريخ ونضال الحزب ودوره الهام والمؤثر - سابقا – خلال حوالي (50) عاماً من مسيرة  الوطن.. بدلا من كل ذلك يقيم كل واحد تجمعاً واحتفالا على صورته ومثاله، يدعو الناس إليه، ويستخدمه للبرهان أن قسمه هو الحزب، أما الآخرون فهم الباطل غير الموجود، ويستخدمه أيضا لتعزيز واستعراض  المناصب (القيادية) داخل تجمعه وتكتله، وأخيرا يستخدمه كي يستعرض ما تبقى من جماهير الحزب (ولا يهم هنا لأي فصيل) أمام القوى الحليفة الأخرى بغية تعزيز المواقع وسط ترتيبات وتوازنات جديدة بعد المهرجان – الذكرى–، وبعدها يمكن تثبيت المكاسب والمناصب المختلفة وربما زيادتها. 

وفي هذا العام عمد بعض خطباء المهرجانات من القادة وكعادتهم أن يذكروا عبوراً ضرورة وحدة الحزب، وسرعان ما يعبرون أنهم يريدون الوحدة، ولكن الآخرين لا يتجاوبون، وهكذا يستريحون وكفى الله المؤمنين شر القتال..

(35) عاماً مرت مع مسلسل الانقسامات، وزعماء الفصائل اليوم يتذرعون بهذه الكلمات ليسكتوا أنصارهم، ويرفعوا العتب عن أنفسهم، ويرسخوا تقاليد ومدرسة الانقسام والتشرذم.

وعموماً فقد كانت المهرجانات هذا العام ضعيفة الحضور، والخطب روتينية، مع ارتفاع منسوب الحديث عن التنسيق والتوحيد لدى (البعض) مقارنة بالأعوام السابقة. والاستنتاج الأهم في ذلك هو أن هذه القيادات الممانعة بدأت تشعر بحجم التململ في القواعد، وترى الخطورة والجدية في التطورات على الأرض، وما يجري مؤخرا من تلاقي للشيوعيين في تجارب عمل ولقاءات مشتركة فرضها تطور الظرف ذاتيا موضوعيا.

إن الأصوات التي ارتفعت (هذا العام بشكل خاص) تنادي وتضغط بضرورة التوحيد على قيادات الفصائل بدأت تحقق بعض النجاحات، وهي تعطي علماً أنه بغض النظر عن ممانعة القيادات، فالقواعد بدأت بالتوحيد فعلاً، ويجب البدء بتشكيل لجان وحدة محلية ومناطقية والامتداد تدريجاً إلى سائر المناطق مع رسم النظام الهرمي تنظيمياً لقوى الشيوعيين المتلاقية بازدياد.

وهكذا تغدو احتفالات ومهرجانات قادة الأقسام إزاء هذا العمل التوحيدي هزيلة وضعيفة، وستجعل من لجان التوحيد الناشئة والمفعمة بالشباب القوي والمتحمس للوحدة (وهي مستقبل الحزب القادم بقوة)، سيجعلها تقول لمن يعول على (مكاسب) مهرجانات واحتفالات التقسيم والتشرذم: «تعال ودع الموتى يدفنون موتاهم».

■ جرجس عيسى

قيادي سابق في الحزب الشيوعي السوري - مشتى الحلو

آخر تعديل على السبت, 26 تشرين2/نوفمبر 2016 22:10