الافتتاحية دروس من الأزمة العظمى..
كما تؤكد الوقائع، دخل النظام الرأسمالي العالمي في دوامة لا مخرج منها، وتحولت هذه الدوامة إلى ثقب أسود يبتلع أموالها وثرواتها وقوتها.. وإذا كان الوقت مازال مبكراً للحديث عن نتائجها النهائية.. إلا أن الأكيد منذ الآن، أن أضرار هذه الأزمة علاقتها طردية بمقدار القرب أو البعد عن السوق الرأسمالية العالمية، فكلما كان اندماج أي اقتصاد أكبر بالسوق الرأسمالية العالمية كان ابتلاع الثقب الأسود له أكبر، وكلما كان أبعد كانت أضراره أقل..
وإذا تحدث مؤخراً بعض مسؤولينا الاقتصاديين عن هذه الأزمة قائلين إن اقتصادنا من أقل الاقتصادات تأثراً بها، فهذا الكلام صحيح، ولكن الفضل في ذلك لا يعود لهم حتماً، بل لتلك القوى التي قاومت إصلاحاتهم وخططهم لتسريع الاندماج بالسوق العالمية بشاكلتها الحالية، وهذه القوى كما تبين مؤثرة وموجودة داخل النظام وخارجه في المجتمع..
والجدير بالذكر أنه حين ننتقد بعض المسؤولين، نتهم أحياناً بالشخصنة، مع أننا نوهنا، وننوه دائماً إلى أننا ننتقد سياسات محددة، وهذه السياسات ليست مجردة من حاملين لها بشكل مستمر، وكان النقاش يمكن أن يبقى في إطار هذه السياسات فقط لا غير دون التعرض لممثليها لو لم يكن هؤلاء الممثلون يعبرون عن نهج متكامل ومستمر..
والمشكلة ليست في أدائهم قطعاً، فهم من الناحية الفنية يمكن أن يكونوا ماهرين جداً، ولكنها تكمن في رؤيتهم ونهجهم التي جاءت الحياة لتؤكد بتطوراتها الأخيرة، خطأه وعدم بعد نظره..
فلنأخذ مثالاً: الاستثمارات.. لقد عوّل هؤلاء المسؤولون الاقتصاديون بنهجهم المستمر بالدرجة الأولى، على الاستثمارات الخارجية في رفع وتيرة نمو الاقتصاد السوري.. واليوم، بعد الذي يحصل ما القول؟ هل كان صحيحاً التعويل على هذه الاستثمارات؟ هل الاستمرار في التعويل على ذلك صحيح؟ إن الثقب الأسود للأزمة الرأسمالية العالمية بدأ بشفط كل الأموال المتراكمة في المصارف والشركات المالية الكبرى والمحافظ الاستثمارية نحو بلدان المركز الأساسية لتلطيف حدة الأزمة.. وأكبر دليل على ذلك هو الخسائر الكبرى التي تتعرض لها البورصات العربية والخليجية خاصةً. ولكن هل ستتوقف هذه العملية؟ حتماً لا... إنها في تسارع مستمر..
لذلك نحمد الله اليوم في سورية، أن سوق الأوراق المالية فيها لم تبدأ بالعمل بعد، ولو كنا نفذنا نصائح أولئك المستعجلين على إنشائها، لكنا اليوم نخسر ثروات كبيرة في لعبة البورصة العالمية التي إن كان أول الخاسرين فيها هم الكبار، ولكن انهيارهم النهائي لن يتم إلا بعد أن «يمعسوا» كل اللاعبين الصغار..
من هنا يمكن التأكيد على أنه إذا كان حتى الأمس القريب، هنالك شكوك عند البعض حول إمكانية أن يحقق الفريق الاقتصادي في الحكومة الأهداف المعلنة لسياسته، إلاّ أنه اليوم قطع الشك باليقين، وأصبح واضحاً أنه في ظل سياسات كهذه ضمن الإحداثيات العالمية التي تتكون مجدداً، لا يمكن بحال من الأحوال الوصول إلى الأهداف المعلنة من نمو ومحاربة للفقر والبطالة..الخ.. بل العكس هو الصحيح.. فسياسات كهذه ستخفض نمو الاقتصاد السوري، وستوسع دائرة الفقر والبطالة..
والصحيح أن المشكلة ليست في أشخاص الفريق الاقتصادي بقدر ما هي في بنية سياساتهم وبنية توجهاتهم وبنية عقليتهم ومنطقهم في التعامل مع الواقع، وخاصةً مع مستجداته، ولاسيما في بلد مثل سورية، أرادت لها الظروف أن تحارب على جبهتين في آن واحد.. جبهة الخارج لمواجهة مخططات الإمبريالية الأمريكية والصهيونية في المنطقة، وجبهة الداخل ضد السياسات الليبرالية التي تضعف البلاد من الداخل، وتخلق ظروفاً موضوعيةً مواتيةً لكي تصل الضغوط الخارجية إلى أهدافها النهائية..
إن السياسات التي عبر عنها الفريق الاقتصادي في الحكومة لم تنجح حتى الآن في حل أية مشكلة من المشاكل المنتصبة أمام البلاد، وهي مرشحة للفشل الذريع أكثر من قبل في المستقبل المنظور..
وإدراك هذه الحقيقة الموضوعية والعمل على أساسها من جميع الوطنيين، هو ضمانة للحفاظ على كرامة الوطن والمواطن..