كيف أصبحت شيوعيا؟

ضيف هذا العدد الرفيق محمود يوسف..

الرفيق المحترم أبو علي.. نرحب بك ونسألك أن تحدثنا كيف أصبحت شيوعيا؟.

أنا من مواليد قرية (اسقبولي)  في محافظة طرطوس عام 1950، وهذه القرية الوديعة كانت تبعد خمسة كيلومترات عن مدينة طرطوس، والآن أصبحت ضاحية من ضواحيها. والدي كان مختار القرية وعضواً في الحزب السوري القومي، تعرض للاعتقال عدة مرات، كان آخرها عقب اغتيال العقيد عدنان المالكي عام 1955، وقد عشت ببداية حياتي مأساة العائلة التي اعتقل معيلها ولامعيل لديها غيره، وشعرت وأنا طفل بأن والدي ظُلم، فكرهت الظلم والظالمين منذ نعومة أظفاري، ونما هذا الشعور بتأثير أخي الأكبر علي يوسف الذي كان أول من أتى بالفكر الشيوعي إلى قريتنا، كما كان لعلاقتي المتينة بالرفيق الراحل علي حمصية وهو من عائلة شيوعية طرطوسية، والرفيق حليم قرة وهو من (السودا) أثرها ودورها في صقل معرفتي بالفكر الشيوعي، وكذلك كان للرفاق محمود زغبور وعلي دباشي -وهما من جيلي وأكبر قليلا - دور متميز في انتسابي للحزب الشيوعي السوري 1970.. هكذا أصبحت شيوعيا بدافع وطني وطبقي يرى في الاشتراكية حلاً جذرياً لكل الظلم والاستغلال.. في تلك الأيام كان معظم شباب وشابات القرية يحملون مشاعر الحماس الثوري وروح التغيير، وقريتنا كسائر القرى في المنطقة بيوتها طينية ودروبها ضيقة مهملة وغير نظيفة، وهذا مادفعنا نحن الشيوعيين وبمساعدة معظم الأهالي للعمل على توسيع الطرقات بهدم بعض الأسوار الحجرية أمام البيوت، والقيام بحملات التنظيف، وبعد أن توسعت القرية وتحسنت، تابعنا حملات النظافة بمشاركة كل القادرين على العمل، وأصبح ذلك تقليدا يتم كل عام في فصلي الربيع والصيف، ونظرا لافتقار القرية لمدرسة أقام  الرفاق وهم الأكثرية، وبالتعاون مع البعثيين دورات تعليمية صيفية تحت الأشجار بأطراف القرية، ومن ذكريات تلك الفترة قيامنا بأعمال متميزة في القرية فقد شاركنا بفعالية عالية مع أهل القرية بحفر خطوط لاستجرار المياه إلى قريتنا، وقمنا بحملة تبرعات مالية لإيصال الكهرباء وحفرنا الجور، ونصبنا الأعمدة مع ثلاثة أبراج على أكتافنا، واستأجرنا عمال الشركة بعد الدوام، فمددوا الأسلاك الكهربائية وأنيرت القرية، وأقيمت حفلة ضمت أهل القرية، هذا إلى جانب تشكيلنا لفريق كرة قدم ضاهى الفرق الرياضية في المحافظة، والملفت في ذلك الأمر أن شباب القرية الذين يرغبون بالمشاركة في الفريق كانوا أقل من تعداد فريق كرة القدم فعوضنا الفارق بثلاثة شبان من القرى المجاورة، وكان فريقنا جيدا في تنظيمه وأدائه وانضباطه وسلوكه الحسن، ولأول مرة في تاريخ المنطقة خرجت الصبايا مع شباب القرية إلى الملعب الذي يبعد 6 كم عن القرية متفرجات ومشجعات. وكان الشيوعيون في القرية يشكلون حالة اجتماعية متطورة، وكان لديهم برامج للتعليم والتثقيف والترفيه.

في انتخابات مجلس الشعب عام 1973 شاركت مع الرفاق بدعم مرشح مستقل، فقد كلفت بمتابعة الانتخاب في ضيعة (ضهر مطر) على صندوق انتخاب، فذهبت قبل يوم من موعد الانتخابات إلى ضيعة أحد أقاربي مروراً بعدة قرى على الأقدام لحث الفلاحين على التصويت للمرشح المستقل، وعندما وصلت إلى مركز الانتخاب لم أجد غرفة سرية لكتابة أسماء المرشحين فاحتججت، وقلت إن ذلك لن يوفر انتخابات نزيهة، فتهجم عليّ رئيس الجمعية الفلاحية، وحاول ضربي، وتوقف الانتخاب، وحضر مدير الناحية الذي أقر بصحة موقفي.

وخلال حرب تشرين سمعنا نداء يدعو للإسراع بتفريغ الأخشاب من مرفأ طرطوس لحمايتها من القصف الإسرائيلي، فسارعنا شبابا وشابات وقمنا بتفريغ الأخشاب وتحميلها بالسيارات، ولن أنسى أبدا تلك المشاعر النضالية الغامرة وذلك الموقف الوطني الرائع لأبناء هذه المحافظة.

ومنذ أوائل الثمانينات عشت حالة متناقضة بين إيماني الشديد بالفكر وبين السلبيات التي كانت تقف حاجزاً أمام استمراري في التنظيم، ومن هذه السلبيات أسلوب البعثات الدراسية الذي كانت القيادة تتبعه حسب العلاقة الشخصية والمنفعة، وعدم تقبل القيادة لأي نقد، والتغطية على المشاكل التي يعاني منها الاتحاد السوفييتي، والشعور بالإحباط  نتيجة التناقض بين وجودنا في الجبهة وبين ملاحقة الكثير منا أمنياً! وكان انقسام الحزب أسوأ السلبيات وأصعبها، فوجدت نفسي خارج التنظيم. ومنذ مدة بدأت بقراءة  قاسيون، وأنا الآن أتابع معكم ما تطرحونه من آراء وأقدر دوركم الذي تقومون به من أجل وحدة الشيوعيين السوريين.

إن الشيوعية في دمي مبدأ وفكراً، وعندما أجد ذلك الحزب الموحد لن أكون إلا داخله. 

■ إعداد محمد علي طه

آخر تعديل على الثلاثاء, 06 كانون1/ديسمبر 2016 00:02