الليبراليون الجدد.. والتكفيريون الجدد !

لفوضى الخلاقة، كانت حسب الذين صمموها، ضربة استباقية للأزمة الاقتصادية العميقة التي تهز النظام الرأسمالي العالمي من أساسه، هدفها خلق تلك الظروف الضرورية والمساعدة للخروج من الأزمة المتوقعة إن حدثت، وقد حدثت..

ولهذه الفوضى أدواتها وآلياتها التي تمهد الأجواء لها، وتجعلها سلاحاً لمحاولة الخروج من الأزمة المستعصية:

• فالليبرالية الجديدة كانت تهدف، كشكل لإدارة اقتصادات الدول التي يفرض عليها هذا النهج، إلى الأمور التالية:

ـ إضعاف تأثير الدولة في الحياة الاقتصادية والاجتماعية إلى الحد الأقصى بحجج مختلفة، بحيث يؤدي ذلك في نهاية المطاف إلى إضعاف تماسك المجتمع وخلخلته ورفع درجة التوتر فيه إلى حد الانفجار. أي أن إضعاف دور الدولة كان يهدف للوصول إلى حد معين من العفوية في التطور، التي تفضي إلى حد أدنى على الأقل، من الفوضى..

ـ توسيع دائرة الفقر والبطالة في المجتمع عبر السياسات الاقتصادية المتبعة التي ترفع شعارات حرية السوق وفتح الأسواق للرساميل المختلفة، والتي تؤدي أخيراً إلى زيادة أعداد المهمشين الذين تُغلق في وجوههم جميع أبواب الأرض..

ـ تصنيع درجة عالية من تمركز الثروة في أيدي قلة، تجعلهم مصالحهم يرتبطون مع هذا الخارج الذي صنعهم بسياسته، ولكن الأهم هو خلق نمط من الاستهلاك الترفي الذي يستفز الأكثرية الساحقة من الناس الذين تكون أمواج الفقر والبطالة قد بدأت بطحنهم..

• هذا من جهة، ولكن من جهة أخرى يقوم صانعو الفوضى الخلاقة لتفعيل فوضاهم، بتكوين كل الظروف المؤاتية لتقوية التيارات الدينية الأصولية التكفيرية، كيف؟

ـ يشكل المهمشون الذين تكونهم دائرة الفقر والبطالة المتسعة قاعدة موضوعية لهذه التيارات التي تفتح لهم أبواب السماء بعد أن أغلقت أمامهم جميع أبواب الأرض..

ـ تقوم التعبئة الإعلامية الهائلة عبر الأقنية الفضائية المختلفة، وكذلك عبر مواقع الإنترنت، بخلق الأجواء الملائمة لدفع المزيد من الأفواج إلى أحضان التكفيريين الجدد عبر التركيز على الخلافات المذهبية والطائفية..

ـ وأخيراً يكفي توجيه بعض الأموال المتمركزة بأيدي بعض المليارديرية العرب الذين يأتمرون بأوامر الـ «CIA»، أو التحكم بها عبر بعض الدول النفطية باتجاه تمويل بعض المجموعات التكفيرية (كما بيّنت أحداث نهر البارد في لبنان)، لتحويل هذه التيارات إلى قوى منظمة تُدار بهذا الشكل أو ذاك في خدمة مخطط الفوضى الخلاقة.

إذاً، من خلق أرضية موضوعية بشكل مقصود، إلى تعبئة إعلامية تقوم بشكل منظم بالتأطير الفكري، إلى تمويل ينظم قوى على الأرض.. ولكن السؤال الكبير والخطير هو: ما العلاقة بين الليبرالية الجديدة والتكفيريين الجدد؟

كان يمكن أن نكتفي بالقول إن الأمر هو مجرد مصادفة لتيارين خدما موضوعياً مخططات الفوضى في منطقتنا الواسعة، والأمر هكذا، لو لم يكن «المعلم» واحداً في الحالتين..

فالليبرالية الجديدة، مركزها النظري والعملي هو الإمبريالية، وطليعتها الأمريكية، التي سوّقت عبر أدواتها ووسائل إعلامها لهذه النظرية المتهالكة تحت ضربات الأزمة الرأسمالية العظمى.

أما التكفيريون الجدد، فكل الوقائع، وخاصة بعد 11 أيلول 2001 تشير إلى ارتباط أوساط هامة في قياداتهم، عبر حلقات وصل معقدة، بالمركز نفسه الذي يدير التيار الأول..

إذاً، التياران يتطلبان بعضهما بعضاً، وإضعاف أحدهما هو إضعاف للآخر، وتقوية أحدهما هو تقوية للآخر.. ما يعني أن زوال أحدهما يعني زوال الآخر..

الليبرالية الجديدة سقطت عالمياً، وسقطت تاريخياً، ويجب أن تسقط في منطقتنا وفي بلادنا.. وفي سقوطها ضمان لسقوط التيار الآخر التكفيري الجديد الذي بزوال الليبرالية الجديدة وسياساتها، تزول قاعدته الاجتماعية وأدوات تعبئته ومصادره المالية.. وفي ذلك ضمانة لكرامة الوطن والمواطن..

آخر تعديل على الثلاثاء, 25 تشرين1/أكتوير 2016 11:40