هشام الأحمد هشام الأحمد

فاقد الشرعيّة لا يعطيها..

اعترفت مجموعة من الدول الأوربية، وعلى رأسها فرنسا وبريطانيا، بائتلاف الدوحة «ممثلاً شرعياً ووحيداً للشعب السوري»، في حين أن الاتحاد الأوربي أوجد صيغة تتجنب عبء هذا الاعتراف الفج، وهي الاعتراف بالائتلاف ممثلاً لـ« تطلعات الشعب السوري»، في خطوة منه للحفاظ على قدر من التوازن يعطي هوامش أكبر للمناورة في الأزمة السورية المستعصية. وقد كان آخر عهد لنا بهذه العبارات «الدبلوماسية» في أوائل الحدث الليبي، إذ سارعت في حينه الدول نفسها باتخاذ الموقف ذاته مما سمي بـ «المجلس الوطني الانتقالي» الذي لعبت هذه الدول دوراً كبيراً في تشكيلته وصناعة مكوّناته، لدرجة أنه ضم في صفوفه رموزاً تنتمي إلى حقبة القذّافي، لكنها تمتلك تاريخاً طويلاً في الارتباط مع استخبارات تلك الدول.

 

 

مازال المجتمع الدولي يخاطب الشعوب بهذا النوع من العبارات، حتى في الوقت الذي تتعرض كبرى الأنظمة فيه نفسه- سواء الأوربية أو الأمريكي-  لهزّات سياسية واجتماعية باتت تنذر بولادة نظام دولي جديد بأنظمة جديدة، فما بالك إذا كان الأمر متعلقاً بأنظمة هشة ومتخلفة وتابعة لهم كما في منطقتنا ومعظم بلدان العالم الثالث!!

وطالما أن جزءاً كبيراً من المشكلة السورية كان مرتبطاً بالانتقال من الأحادية السياسية إلى التعددية السياسية، فلماذا يعاد، غربياً، إنتاج هذا الجزء من الأزمة من جديد، عن طريق مبايعة الغرب لأحد الأطراف- التي تمتلك وزناً ضئيلاً في الداخل السوري- كممثل وحيدا للشعب السوري؟؟

علينا أولاً معرفة السبب الكامن وراء دفع الولايات المتحدة الأمريكية، من خلال مساعي كلينتون- فورد، لنقل المعارضة الداعمة للتدخل الخارجي من صيغة «المجلس الوطني» أو مجلس اسطنبول إلى الصيغة الجديدة المتمثلة بـ«ائتلاف المعارضة والثورة السورية» أو ائتلاف الدوحة، الذي ترافق إعلانه مع تقديم شخصيات كانت في الداخل إلى عهد قريب، ومع تصاعد الحديث عن توحيد قوى المعارضة. فقد كانت وظيفة مجلس اسطنبول تقتصر على كونه كياناً سياسياً يقدم الشرعية والتبرير الكافيين للتدخل العسكري الخارجي، وكان قد صمم على هذا القياس. ولمّا تعثرت تلك المساعي في استدعاء ذلك التدخل إلى سورية نتيجة للتغير الذي طرأ على موازين القوى الدولية، المتمثل بالموقف الروسي- الصيني، انتهت وظيفة ذلك الكيان وبات من الضروري إعلان وفاته ليصار إلى الانتقال إلى تشكيل جديد يعكس التغير في تكتيك الدول الغربية إزاء الأزمة السورية، فكان الإعلان عن ائتلاف الدوحة. أما عن طبيعة الوظيفة المنوطة به فيتضح من خلال الحديث عن نيّة هذا الائتلاف إدارة المناطق الشمالية من سورية أنه معّد لتكريس واقع الانقسام العمودي سياسياً وعسكرياً، ومن ثمة الذهاب إلى عملية تفاوض مع النظام تثبت واقع الانقسام هذا على أساس تحاصص معين، وذلك بعد أن ثبتت عملياً استحالة الحسم العسكري على الجانبين في ظل ميزان القوى الداخلي والخارجي. أما حول إعلانات هذا الائتلاف مع تأسيسه عن رفض الحوار وإسقاط النظام وما إلى هنالك، فلا يعدو ذلك عن كونه وسيلة لضم كل المجموعات المعارضة المسلّحة خلفه، ولكسب ثقتها إلى حين الوصول إلى مرحلة التفاوض. وتمّ تعزيز هذا الائتلاف بمختلف أشكال الدعم السياسي، كالاعتراف به ممثلاً وحيدا للشعب السوري، أما دعمه عسكرياً فيجري بحثه على قدم وساق، وذلك علاوة على كل أشكال الدعم المباشرة الحالية، العسكرية والمالية، للعناصر المعارضة المقاتلة على الأرض.

 في ضوء الوظيفة الجديدة التي أسندت إلى ائتلاف الدوحة يمكن قراءة خطوة الاعتراف به كفعل يسعى إلى الحفاظ على الأزمة قائمة، وذلك من خلال الحفاظ على أحد أسبابها، وهو الأحادية السياسية، الأمر الذي سيقطع الطريق على مساعي المعارضة الوطنية والدول الصديقة تاريخياً لسورية- روسيا والصين وإيران- للوصول إلى الحل السياسي عن طريق الحوار، ولكسر حالة الإجماع السوري في الموالاة والمعارضة على الحفاظ على الثوابت الوطنية.

يسعى الغرب من خلال خطوات كهذه إلى إطالة الطريق للوصول إلى مخرج آمن من الأزمة السورية، وإعطاء التصعيد العسكري والفلتان الأمني وقتاً أطول كي يجهز على الدور المتبقي لسورية على المستوى الإقليمي والدولي، وعلى تحالفاتها مع قوى المقاومة للسياسات الأمريكية الإسرائيلية- في المنطقة والعالم، ولنا في تجربة العراق ولبنان خير مثال على هذا الأمر، إذ أن محاولة القضاء على المقاومة الفلسطينية واللبنانية في أوائل الثمانينيات اقتضت إشعال حرب أهلية في لبنان. وشكّل احتلال العراق خطوة باتجاه تفتيت المنطقة تحت عنوان الشرق الأوسط الجديد. وطالما كانت الدبلوماسية الدولية أداة تساند تلك التوجهات، وهي اليوم تلعب الدور ذاته في خضمّ الأزمة السورية.

ربما كان من حسن حظ هذه البلاد أن أزمتها ترافقت مع بداية تغير عميق في ميزان القوى الدولي، وسيلعب السوريون دوراً في تحديد طبيعة الحل لأزمتهم: إمّا بالمعطيات البائدة شيئاً فشيئاً التي طبقت في العراق ولبنان في وقت سابق، أو بمعطيات جديدة ستكون فاتحة التغيرات على المستوى العالمي..