عامر الحسن عامر الحسن

مقاربة جديدة لظرف استثنائي!

حسناً فعل حزب الإرادة الشعبية، عندما طرح للنقاش العام مشروع برنامجه  حول «القضية الكردية وشعوب الشرق» فالمشروع من جهة يعالج قضية شعب له حقوق معلقة في التاريخ، ومن جهة أخرى تنطوي هذه القضية على احتمالات شتى، في ظل الاضطراب العالمي والإقليمي، وبالتالي تعتبر القضية قضية السوريين كلهم.

إن قراءة متأنية لصفحات المشروع توضح بأن المشروع، يعالج القضية الكردية، بأبعادها المختلفة، التاريخية، والراهنة، وامتدادها الجغرافي في البلدان الأربعة، والمآلات المفترضة، وهو بذلك « المشروع» وثيقة متكاملة، مصاغة وفق رؤية كلية، دون تجاهل الخاص، وتعالج التفاصيل، دون الانجرار وراء الآني والرائج و تعتمد المنهج التحليلي في قراء الظواهر، أي تنظر إلى الظاهرة في حركتها التاريخية، و ضمن شرطها التاريخي، وتميز بين الحقوقي والسياسي.. 

فالقضية الكردية، ومآلاتها الراهنة  هي نتاج ثلاثة عوامل، تفاعلت فيما بينها، وهي:  

الخرائط التي رسمها المهندس الغربي في بدايات القرن الماضي، «سايكس بيكو» 

سياسات الأنظمة في البلدان الأربعة، في عهد ما اصطلح عليه بالدولة الوطنية.

الأخطاء الاستراتيجية للقيادات القومية الكردية.

وسيجد القارىء أن هذه العوامل حاضرة، بين سطور المشروع على مدار صفحاته، وأن المعالجة تنطلق من ضرورة تجاوزهذا الثلاثي، لفتح الباب أمام حل القضية، حلاً ديمقراطياً عادلاً، فالرهان على الغرب الاستعماري مرفوض، والقبول بسياسات الأنظمة مرفوض، ودفع الشعب الكردي إلى مأزق الانعزال القومي أيضاً مرفوض.

لماذا القضية الكردية وشعوب الشرق؟

ربما أول الأسئلة التي تطرح على بساط البحث عند قراءة المشروع، هو، لماذا ربط القضية بقضية شعوب الشرق، كونه طرح جديد نسبياً، وغير مألوف في الخطاب السياسي للقوى السياسية في البلدان الأربعة.

ترى الموضوعات، أن القضية الكردية هي جزءٌ من كل، وأنها قضية شعوب الشرق عموماً، فهذه الشعوب جميعها كانت ضحية تقاسم النفوذ في بدايات القرن الماضي، وهذه الشعوب جميعها التي خضعت للنظام الاقتصادي الاجتماعي ذاته ودفعت ثمن ترهل الدولة الوطنية وعجزها، ووصولها إلى المأزق التاريخي الراهن، ولا تنس الموضوعات في إطار هذه المقاربة الكلية، الخاص الكردي، ومن هنا كان تأكيدها الدائم على ضرورة الاعتراف بوجوده، والاعتراف بحقوقه، ومنع سياسات التمييز القومي بحقه، اي أن الوثيقة تحاول تنفيذ مهمة مركبة، هي حق الشعب الكردي من جهة، ومن جهة أخرى منع التفتيت الذي يضع الكل في مواجهة الكل، فالوثيقة هنا، تتجاوز الحقوقي بالمعنى الكلاسيكي، وتذهب إلى السياسي، وترى أن التجسيد الواقعي لحق تقرير المصير، هو وحدة نضال شعوب الشرق، على أساس الاعتراف المتبادل بالحقوق، ناهيك عن أن شعوب الشرق هذه تنتمي إلى فضاء جغرافي واقتصادي وثقافي واحد، يؤهلها موضوعياً أن تكون من خلال وحدة نضالها عنصراً فاعلاً في عالم اليوم ، الذي لامكان فيه للدول والكيانات الصغيرة.

وبالإضافة إلى ذلك، تبين التجربة التاريخية، بأنه لايمكن حل أية قضية تخص شعوب المنطقة، حلا حقيقياً، إلا في إطار حل عام، فكما كان عدم الاعتراف بالوجود الكردي وحقوقهم المشروعة، أحد أسباب تراجع وإضعاف الدولة الوطنية، فإنه لايمكن حل القضية الكردية، بمعزل عن دولة قوية موحدة وحديثة، وعدا عن ذلك فإن حلاً جزئياً هنا وهناك، يضع القضية من جديد في دائرة التجاذبات الإقليمية، مما يهدد في ظل توازن القوى الإقليمية، أية تجربة وليدة.

قضية إقليمية ودولية

الفكرة الأخرى التي تبقى حاضرة في المشروع، هو اعتبار القضية الكردية قضية دولية وإقليمية، خاضعه بالضرورة للتجاذبات الإقليمية، كأحد خصائصها التاريخية المكونة لها، وبالتالي فإن التفكير في حل خارج إطار وحدة نضال شعوب الشرق، سيؤدي حكماً إلى اضطراب إقليمي، الأمر الذي يفتح الباب للدخول في المحظور، ودخول شعوب المنطقة جميعها في دوامة سايكس بيكو جديد.

وعود على بدء، فإن القضية تبقى بحاجة إلى مزيد من النقاش، ربما تكون مناقشة هذه الموضوعات، أداة لصياغة رؤية جديدة، تفتح الطريق لحل التناقضات المتعلقة بالقضية كلها وتضعها على السكة الصحيحة.