قديم يموت وجديد يولد: هل علينا الاستعداد للحرب؟!
كثيرة تلك التكهنات والتوقعات التي تخرج من منابر إعلامية وتحليلية مختلفة، حول إمكانية قيام الحروب من جديد من عدمها. إلا أن الجديد في معظم هذه التوقعات والتكهنات يكمن في وصولها، ولو متأخرة، إلى أن عالماً قديماً يتماوت، وآخراً متعدد الأقطاب ما يزال يولد.
إعداد وترجمة: سعد خطار
شغل الحوار الذي نشرته مجلة «Business Insider» الاقتصادية مع مؤسس شركة «Stratfor» للبحوث الاستراتيجية خلال الأسبوع الماضي، جورج فريدمان، حيزاً واسعاً من التغطية والاهتمام الإعلامي. الحوار، الذي «راهن» خلاله فريدمان على أن حرباً وشيكة ستحصل لتغيير النظام العالمي، نعرضه هنا، كما جاء على صفحات المجلة.
مقدمة «Business Insider»
يبدو من الشائع كثيراً في الوقت الراهن أن تقوم مجموعات مسلحة غير نظامية- وبدعم من دول أخرى- بالدخول في قتال مع حكومة بلادها، وهو السيناريو الذي تكشف حالياً في سورية وشرق أوكرانيا، ومجموعة كبيرة من المناطق الأخرى.
ولكي نأخذ مثالاً عن الحرب البرية واسعة النطاق، علينا العودة إلى الغزو الذي قادته الولايات المتحدة ضد عراق صدام حسين في عام 2003، أو إلى الصراع بين إثيوبيا وإريتريا في أواخر تسعينيات القرن الماضي.
كانت الحربان العالميتان دليلاً كارثياً على عدم الاستقرار الذي بات متأصلاً في النظام الدولي. النظام الذي سمح بالنزاعات المتكررة بين الدول. وهو النظام الذي يعتبر أن الحرب يمكن لها أن تكون خياراً شرعياً في السياسة الخارجية، بدلاً من أن تكون ملاذاً أخيراً مطلقاً.
ومنذ الحرب العالمية الثانية، جرى بناء العديد من النواظم السياسية والقانونية في العالم، في محاولة لمنع الدول من الدخول في الحروب مع بعضها البعض، وقد شكل ذلك سجلاً مليئاً بالنجاحات. لكن هل تغير أي شيء؟ أجرت «Business Insider» لقاءً مع جورج فريدمان، مؤسس شركة «ستراتفور» للتنبؤ الاستراتيجي، الذي حذر من أن الحرب المدمرة بين الدول كانت سمة متكررة في السياسة العالمية، وأكد أن ذلك قد يعود اليوم.
فريدمان يراهن..
أشار فريدمان إلى أنه كانت هناك فترات سابقة في التاريخ، كان فيها المراقبون الدوليون مغالون بإيمانهم أن الدول سوف لن تنحو منحى الحروب: «بين عامي 1815 و1871، لم يكن هناك أي مضمون لحرب بين الدول في أوروبا.. ثم جاءت الحرب العالمية الأولى». وحذر فريدمان من أنه في العصر الحديث، كانت كل فترة من السلام هي فترة بناء في اتجاه تصفية الحسابات بعنف: «لم يكن هناك قرن بلا حرب على مستوى النظام إطلاقاً.. الحرب على مستوى النظام تعني هنا تلك اللحظة التي يتشنج فيها النظام العالمي بأكمله»، مشيراً إلى حرب السنوات السبع، والحروب النابليونية، والحربين العالميتين: «هل تريدون الرهان على أن القرن الذي نعيشه سيكون القرن الوحيد بلا حرب؟ سأقبل هذا الرهان».
يفترض تحليل فريدمان أن النظام الدولي، سواء كان على شكل تحالف بين القوى المحافظة في أوروبا التي حافظت على السلام بعد الحروب النابليونية، أو نظام ما بعد الحرب الباردة الذي قادته الولايات المتحدة، لديه نقاط ضعف قاتلة بطبيعتها. وبرأيه، فإن النظام الدولي الحالي يحتوي على بذور فنائه أيضاً.
على أقل تقدير، فإن النظام العالمي الحالي لا يزال يسمح بظهور الأزمات للنظام الذي هو نفسه غير قادر على حلها. يعتقد فريدمان أن استبعاد بعض القوى العالمية يمكن أن يخلق مثل هذه الأزمة: «عندما يكون لديك بلداناً مثل ألمانيا والصين وروسيا مستبعدة، ويتم استبدالها بغيرها، في تلك النقطة بالذات، تبدأ الحروب على مستوى النظام.. عندما يحصل ذلك سيكون خطيراً، لأنهم لم يصلوا إلى التوازن بعد. حتى ألمانيا الموحدة في عام 1871 انفصلت بعد ذلك.. واليابان التي صعدت في أوائل القرن العشرين، عاشت الفوضى بعد ذلك. لذلك نحن نبحث في كيفية التحول على مستوى النظام. لنكن مستعدين للحرب».
هل ستعود الحروب بين الدول؟
هنا أجوبة فريدمان كاملة عندما سألناه عن احتمال عودة الحرب بين الدول، محرراً لأسباب تخص المساحة والوضوح:
المجلة: في هذا اليوم، وهذا العصر، إنه من غير المألوف نسبياً للدول أن تنحو منحى الحروب بين بعضها البعض. هل ترى أن ذلك تغير؟ هل ترى أن الحروب بين الدول ستظهر من جديد؟
فريدمان: بين عامي 1815 و1871، لم يكن هناك أي احتمال متداول لحرب بين الدول في أوروبا.. ثم جاءت الحرب العالمية الأولى.
سأعطيك إحصائية أخرى. لم يكن هناك قرن بلا حرب على مستوى النظام إطلاقاً.. الحرب على مستوى النظام تعني هنا تلك اللحظة التي يتشنج فيها النظام العالمي بأكمله، من حرب السبع سنوات في أوروبا، إلى حروب نابليون في القرن التاسع عشر، إلى الحربين العالميتين. كل قرن كان هناك حرباً من هذا النوع.
هل تريدون الرهان على أن القرن الذي نعيشه سيكون القرن الوحيد بلا حرب؟ سأقبل هذا الرهان.
عندما يكون لديك بلداناً مثل ألمانيا والصين وروسيا مستبعدة، ويتم استبدالها بغيرها، في تلك النقطة بالذات، تبدأ الحروب على مستوى النظام.. عندما يحصل ذلك سيكون خطيراً، لأنهم لم يصلوا إلى التوازن بعد. حتى ألمانيا الموحدة في عام 1871 انفصلت بعد ذلك.. واليابان التي صعدت في أوائل القرن العشرين، عاشت الفوضى بعد ذلك. لذلك نحن نبحث في كيفية التحول على مستوى النظام. لنكن مستعدين للحرب.
المجلة: هل هناك أية توقعات بشأن أين يمكن أن تجري هذه الحرب؟
فريدمان: حسناً، البلدان الناشئة الأكثر احتمالاً هي اليابان وتركيا وبولندا. لذلك، أود أن أقول أن أوروبا الشرقية والشرق الأوسط والحرب البحرية من قبل اليابان مع الولايات المتحدة سوف تكون حاضرة. في كل مرة تظهر قوى جديدة تظهر الحاجة لإيجاد التوازن. القوى الجديدة تصعد، والقوى القديمة آخذة في الانخفاض. إنها ليست عملية خطيرة، بل إنها موقف ناشئ خطير.
تعقيب من المحرر
لا يبدو الطرح الآنف الذكر لفريدمان جديداً، إذ تركز معظم مراكز البحث الاستراتيجي جهدها اليوم على التنبؤ فيما لو كان التغير الجاري في موازين القوى الدولية سيفرض «حرباً عالمية» بين الدول الكبرى. وإن كان في كلام فريدمان ما يثبت تهافت الكثير من المحللين للتسليم بالتغير الجاري في موازين القوى الدولية والنظام الدولي الذي سادت فيه الولايات المتحدة، إلا أن الافتراض بعودة الحروب التقليدية بين الدول يلغي مسبقاً من الحسبان تلك التغيرات التي طرأت على أسس الصراع الدولي خلال الفترة ذاتها، والتي لم يكن آخرها القدرة النووية للدول الكبرى التي دفنت، عملياً، أية إمكانية لنشوء الحرب وفق المنطق التقليدي القديم ذاته.
وفي مجمل تحليله للصراع العالمي، لا يرى فريدمان أن ما يجري في العالم اليوم من حرائق مفتعلة من المركز الإمبريالي الأمريكي، وما يقابل ذلك من سعي لدى القطب الروسي الصيني الصاعد لإخماد تلك الحرائق بالوسائل الدبلوماسية والاقتصادية والعسكرية، هو، بهذا الشكل أو ذاك، حرباً عالمية ثالثة تخاض وفقاً لمستوى التطور الحاصل على الصعيد العالمي.. وعلى الأرجح هي تلك «الحرب على مستوى النظام» ذاتها التي تحدث عنها فريدمان «حيث يتشنج فيها النظام العالمي بأكمله»..!
