افتتاحية العدد 520: منع التدخل الخارجي..مسؤولية السوريين جميعهم..!
كلما ازداد باطراد الضغط الأمريكي- الأوربي لاستيلاد أشكال متباينة ومتصاعدة من التدخل الخارجي في سورية تحت ذرائع متباينة في إطار «الصراع على سورية»، تزداد الحاجة الموضوعية لدى السوريين، كل السوريين افتراضاً، وخاصةالمنهمكين في «الصراع الداخلي في سورية» وحول شكلها فيما بعد 15/3/2011، أي النظام، والمعارضة، والحركة الشعبية، للابتعاد عن أسلوب تراشق المسؤوليات والاتهامات، والنهوض إلى مستوى المسؤولية الوطنية.
وتزداد أهمية ذلك على نحو خاص كلما أصبح الوطن، كل الوطن، في خطر، لأنه من دون ذلك الارتقاء تنسحب ببساطة مشروعية «مشروع» كل طرف.
النظام، الذي يقول إنه يريد الحفاظ على مواقف سورية وموقعها الجيوسياسي ووحدتها الوطنية، تتجلى مسؤوليته الأولى الآن في ضبط سلوكه بالداخل، أي توصيل محاولة فك الاستعصاء القائم في البلاد إلى نهاياتها، عبر عناوين مختلفة، يتقدمها إيجاد حل توافقي يعزل من يريد المضي في توتير الأجواء والأوضاع الداخلية، أينما كانوا داخل جهاز الدولة وخارجه، لأن ذلك التوتريشكل الحجة والذريعة المعلنة للتدخل، وعبر سحب فتيل توتر من نوع آخر يوصل للنتيجة ذاتها، حيث يتمثل ذلك السحب في ضمان الإبقاء على الجيش يؤدي الآن مهمته الموجهة تحديداً ضد الميليشيات الطائفية من كل شاكلة ولون، دون أن تؤدي المعالجات الأمنية إلى توسيع دائرة الاستهداف بما يتجاوز هذه المهمة، ويشمل ذلك إطلاق سراح المعتقلين على خلفية الأحداث من غيرالمتورطين في عمليات القتل والتخريب، ومنع أية ممارسات داخل مراكز التوقيف أو خلال عمليات التفتيش والمداهمة من شأنها تصنيع منتقمين موتورين متربصين، أو إحداث نقمة عمياء مدعومة بروايات تتناقلها الشفاه. والغاية من ذلك الحل التوافقي هو الوصول إلى الغايات المنشودة من الحوار الوطني الموضوع على جدول الأعمال بعد توفير مناخه، وليس إطلاقه فحسب.
المعارضة، المنقسمة على ذاتها وبذاتها، والتي لا تمتلك غالبيتها رؤى وبرامج واضحة ومكتملة، في حين يتجسد هم بعض بعضها الآخر في تصفية الحسابات السياسية لا أكثر، تتمثل مسؤوليتها بالدرجة الأولى اليوم في إعلان الموقف الواضح غير المرتبك وغير المتلعثم بخصوص رفض وتأريض أسباب ومنع التدخل الخارجي بكل أشكاله من أدناه إلى أعلاه، مع توضيح جدولأعمالها الاقتصادي الاجتماعي بما يحدد اصطفافاتها وفرزها الاجتماعي شعبياً من دونه، كي لا تصبح المسألة تقاسم كعكة «سورية كوطن»، وإعادة إنتاج بنى ومنظومات وشبكات النهب وأجهزة حمايتها التي مهدت مجتمعة لما تشهده البلاد من احتجاجات متعدد الأشكال والدرجات، (بيده أم بلسانه أم بقلبه..)!
أما المسؤولية الأولى للحركة الشعبية الاحتجاجية الآن فتتمثل ليس في أهمية ودلالة التبرؤ من المسلحين فحسب، بل في عزل هؤلاء ومحاصرتهم ولجمهم، بما ينقي صفوف هذه الحركة ويؤطرها، ويبقي على المشروعية غير الاستفزازية، نظرياً على الأقل، لمطالبها، ليسد ونظرياً على الأقل أيضاً، ذرائع استهدافها ومحاولة وأدها في مهدها تحت العنوان المشروع والمطلوب المتمثلفي القضاء على المسلحين، سواء المرتبطين بموجة الاستهداف الخارجي أم من تحولوا إلى أصحاب ثارات وفوضويين أو مجرمين، وهؤلاء مرة أخرى يأخذون أشكالاً وتسميات مختلفة تشترك جميعها في خرق القانون والسلم الأهلي وتقويض اللحمة الاجتماعية بما يقوض بدوره من منعة البلاد أمام المتربص الخارجي، الموجود والنشط دائماً وأبداً.
إن التعاطي مع المشهد السوري بكليّته، ومن منظور وطني، غير منقوص أو قاصر أو منحرف، من منطلق الاعتراف بالواقع وبالآخر ومن دون أوهام كبرى حول موازين القوى والنسب والأرقام التي تتقاذفها الأطراف المعنية، هو الكفيل على قاعدة المسؤولية الوطنية أولاً بتوفير الأرضية الملائمة للخروج من نفق الأزمة السورية الحالية نحو نظام سياسي جديد بأقل الخسائر البشريةوالمادية، الاجتماعية والاقتصادية، ودون ذلك ستكون الفواتير لدى الجميع، جميع السوريين في وطنهم، عالية، ومجانية وعبثية