بين «2254».. وجنيف3..!

بين «2254».. وجنيف3..!

حملت الأشهر القليلة الماضية، كماً كبيراً من الأحداث والمواقف الحاملة للصبغة التصعيدية ذاتها على المستويات الدولية والإقليمية والمحلية، وذلك بما يخص الأزمة السورية بشكل مباشر أو غير مباشر. غير أن ذلك لم يعرقل اتجاه الحل السياسي نفسه الذي شهد بدوره ولا يزال تصاعداً مطرداً وتطوراً مستمراً.

اللافت للانتباه في الأحداث التصعيدية خلال الأشهر الماضية، ليس هذه الأحداث بذاتها، بل مقارنة انعكاساتها بانعكاسات أحداث شبيهة شهدتها السنوات الخمس الماضية. بكلام آخر، كان يمكن لأي حدث من النوع والحجم الذي جرى مؤخراً أن يؤجل مسار الحل السياسي سنة أو أكثر، وهذ ما جرى فعلاً بعد جنيف2 مثلاً. خط السير البطيء هذا تم إنهاؤه عملياً ابتداءً من منتدى موسكو التشاوري الأول الذي سجل انتقال المبادرة السياسية إلى أيدي الروس.
ولما تواصلت العرقلة استناداً للعسكرة الاستعصائية الرامية لتثبيت استمرار الأزمة أمراً واقعاً، انتزعت موسكو المبادرة العسكرية أيضاً بعملياتها الجوية، وهو ما دفع بالمحصلة نحو استكمال المسار السياسي باجتماعات فيينا وبياناتها، ومن ثم القرار الدولي 2254، وصولاً إلى أعتاب جنيف3 المحدد، مبدئياً، في 25 من الجاري، ليبقى المطلوب اليوم إحداث ذاك التطابق المنشود بين الإنجاز العسكري- المؤطر مرحلياً ولغاية محددة- والتقدم السياسي الجدي على مسار حل الأزمة جذرياً.
إنّ انتزاع روسيا لزمام المبادرة في الأزمة السورية سياسياً وعسكرياً، هو بالضبط الجو العام الذي يجري ضمنه حل الأزمة السورية وعليه يمكن تسجيل الأفكار الأساسية التالية:

أولاً: إن القول بأن وفد الرياض سيكون ممثلاً للمعارضة السورية لا يتطابق مع الوقائع السياسية ولا مع الوقائع الميدانية، ولذلك فهو وهم لن يطاله الراغبون به.
ثانياً: بمقابل ذلك فإنّ القرار الدولي 2254 وكذلك الوقائع تطلب صراحة وجود تمثيل متساوٍ ومتوازن وعادل لأطراف المعارضة السورية جميعها.
ثالثاً: إنّ القرار الدولي 2254 لم يفتح الطريق نحو الحل السياسي فقط، بل ورسم حدوده ومعالمه الأساسية، وهذا يعني أنّ تنفيذ حل الأزمة السورية، على هذا الطريق، هو أمر مشروع ومطلوب من تلك القوى الراغبة بذلك والقادرة عليه، وذلك بغض النظر عن الصيغ التفصيلية والشكلية لعملية التنفيذ هذه.
رابعاً: إنّ مختلف الأطراف والقوى التي تراهن على فشل الحل السياسي، ستصاب بالخيبة سريعاً، فعنوان المرحلة هو الحل السياسي المندفع بزخم وسرعة، أياً تكن العثرات الجزئية التي تعترضه، هنا أو هناك.

ويبدو واضحاً أن قوى الفضاء السياسي القديم أياً كان الاصطفاف الذي تتخذه، لا تزال حتى اللحظة عاجزة عن فهم الواقع الدولي الجديد، ولا تزال بحكم هرمها وتثاقلها وقلة حيلتها الشعبية، تحاول المراهنة على هذه الدولة أو تلك في صياغة حل سياسي على مقاسها. ولكن واقع الأمور يدفع إلى الأمام حقيقة يظهر وضوحها بشكل مطرد هي أنّ الحل السياسي في سورية لا يعني قيام سورية جديدة فقط، بل يعني أيضاً صياغة ملموسة وجديدة لحق الشعوب في تقرير مصيرها استناداً إلى توازن دولي جديد يعطي مساحة حقيقية لهذا الحق، ويفتح أمام الشعوب الباب واسعاً لنضال جدي باتجاه تقرير المصير بمفرداته المختلفة.