معضلة واشنطن والأزمة السورية!
شهد الأسبوع الفائت جملة من الوقائع المستجدة المتعلقة بالأزمة السورية والمساعي الحثيثة لحلها سياسياً: بدءاً من زيارة الرئيس السوري لموسكو وما ظهر من نتائجها، إلى دعوة الولايات المتحدة للقاء دولي في فيينا لمناقشة الأزمة السورية، وانعقاد هذا اللقاء وخروجه بنتائج أولية تشكل خطوة إضافية باتجاه تسريع التوافق على تسريع عجلة الحل السياسي، مع ترك المجال لـ«المتحفظين» ليتحفظوا على هواهم شرط أن ينخرطوا ضمن عملية الحل السياسي على أساس جنيف1،
مروراً بالاجتماعات التي جرت على هامش لقاء فيينا، ومنها لقاء لافروف مع ناصر الجودة وزير الخارجية الأردني، وما نجم عنه من اتفاق الطرفين على تنسيق جهودهما في محاربة الإرهاب، وما يحمله ذلك من أهمية لا تتعلق بوزن الأردن بقدر ما تتعلق بكون القرار الأردني انعكاساً لقرار جملة من القوى الأكبر منه، على رأسها واشنطن، ومروراً كذلك بمختلف اللقاءات والتصريحات في مختلف عواصم أوروبا والمنطقة ومن مختلف المسؤولين، على أهمية تلازم مسار مكافحة الإرهاب مع مسار الحل السياسي للأزمة السورية على أساس جنيف1، وسط استمرار تهافت الشروط التعجيزية المسبقة في هذا الخصوص تباعاً، وبقاء هامش مناورة يضيق باطراد أمام الألاعيب الأمريكية، فإما أن تلتحق واشنطن بهذا الركب المتلازم- الذي تقوده موسكو بكفاءة عالية جداً إلى الآن- أو تخرج من «الحلبة السورية» كلياً.
تلك التطورات كلها جاءت مصحوبة ومدفوعةً بنشاط روسي كثيف على الجبهات جميعها، السياسية والعسكرية والإعلامية، غير أن ما يلفت الانتباه بوضوح في جملة الوقائع السابقة أنها جاءت مطابقة للتصريحات الروسية الأولى حول الهدف من العمليات العسكرية التي تقوم بها موسكو في سورية، وهو الحل السياسي للأزمة السورية. وإنّ ما حققه هذا بإحداثياته المختلفة، هو تجميع عناصر الحل وتقريب الأطراف جميعها من تلك العناصر، التي كانت معروفة وواضحة منذ وقت طويل، لكن الولايات المتحدة أساساً، وتوابعها الإقليميين ومتشددي أطراف الصراع الداخلي، لم تكن لديهم الإرادة السياسية للمضي في طريق الحل. ولكن ما يجري الآن هو استنبات تلك الإرادة لديهم جميعاً، تحت تهديد خسائر كبرى إن هم استمروا في عنادهم وتعطيلهم للحل.
إنّ عناصر ومستلزمات الحل الأساسية تتكثف جميعها في عقد مؤتمر جنيف3 من أجل تطبيق بيان جنيف حزيران 2012 الذي يحقق وقف التدخل الخارجي، ووقف العنف، وإطلاق العملية السياسية، مع مواجهة ما استجد بعد صدور هذا البيان والمتمثل في بروز الخطر الإرهابي التكفيري وضرورة محاربته.
بالمحصلة، فإنّ جملة النشاطات الروسية على المستوى الدولي، بأبعادها العسكرية والاقتصادية والسياسية، فتحت الباب واسعاً أمام موسكو وحلفائها نحو تصّدر مشهد محاربة الإرهاب، ليس في سورية فقط، بل في المنطقة كلها، وبالعالم بأسره، وهو ما يعني أنّ المرحلة التي نعيشها اليوم تجاوزت مسألة ترجمة ميزان القوى الدولي الجديد نحو تثبيته، وغذ السير نحوه على الصعد المختلفة جميعها، وهو الأمر الذي اكتملت عناصره تقريباً، ولم يتبق سوى أن تبدأ عمليات انفكاك دول العالم، دولة بعد أخرى، وبشكل متسارع، عن واشنطن وسياساتها، وهو ما يجري على قدم وساق، وهو ما سيشكل السمت العام للمرحلة القريبة القادمة.
وبين هذه اللحظة وتلك فإن توق السوريين جميعهم، باستثناء أمراء الفساد والحروب والإرهاب، يبقى في إنهاء أوجه كارثتهم كلها، والانتقال نحو المستقبل الذي يستحقونه، أسياداً ومستقلين وموحدين، أرضاَ وشعباً، على قاعدة التمييز المطرد أيضاً لدى تلك الغالبية بين العدو والصديق.