الحركة الشعبية تعود.. أول الغيث من العراق
تفاجأ من تفاجأ بسلسلة الاحتجاجات الشعبية في الشارع العراقي، والتي كشفت دفعة واحدة عن العديد من الأوراق المهترئة، وكشفت زيف البروباغندا السياسية للنخب السياسية العراقية عن الديمقراطية وحقوق الإنسان، ممن جاء على دبابات الاحتلال، أو ممن خرج من رحم عمليته السياسية، من جهة، وضرب بعرض الحائط كل الوعي الزائف الذي ضخه إعلام البترودولار، بما يمتلكه من ترسانه دعائية، متكئة على الفوالق الطائفية أو العرقية، من جهة أخرى. حيث يمكن استخلاص دروس وعبر عدة من الهبة الشعبية في العراق.
أولاً: إعادة الاعتبار للصراع الاجتماعي على أساس المصالح الطبقية، وبشكله المباشر، حيث بدأت بشعارات بسيطة وملموسة تتعلق بلقمة المواطن العراقي والخدمات الأساسية التي يجب أن تتوافر له، ليرتقي مستوى الشعارات يوماً إثر آخر، ومدينة تلو أخرى. وعلى سبيل المثال، يدعو المتحدث باسم المحامين العراقيين في ساحة التحرير يوم الجمعة 7\8 إلى إقصاء المسؤولين مزدوجي الجنسية من مواقع المسؤولية في الدولة وإنهاء حكم المحاصصة الطائفية، ضمن أهداف أخرى. وقد استقبل المتظاهرون كلام المتحدث الذي كان مرفوقاً بعدد كبير من المحاميين بزيهم الرسمي بهتاف تشجيعي.. يقول: «المحامي طب للساحة.. القانون هو الساحة»!
ثانياً: تجاوز البنى الاجتماعية ما قبل الوطنية، تلك البنى التي حاولت النخبة السياسية العراقية ترسيخها منذ نيسان 2003، لتأبيد سلطتها الفاسدة، حيث يشارك في الاحتجاجات أبناء مختلف الطوائف والقوميات من جماهير الشعب العراقي في الجنوب والوسط والشمال، لتعيد الحركة الجماهيرية بذلك الاعتبار إلى مفهوم وحدة مصير العراقيين، طالما أنهم تحت سلطة نظام استغلالي فاسد، ولتصوغ الشكل الجنيني الجديد للهوية الوطنية العراقية، رغم كل محاولات تذويبها، في ظل حكم المحاصصة.
ثالثاً: إن حالة الكمون في النضال الجماهيري لا تعني انتهائه. والتلاعب بالوعي الاجتماعي، قد يلعب دوراً مؤقتاً في بعض الأحيان، ولكنه لا يستطيع بحال من الأحوال إيقاف النضال الجماهيري. فالحركة الشعبية التي انطلقت في العديد من البلدان في السنوات الأخيرة، والتي حاولت قوى عديدة من الخارج، ومن الأنظمة إجهاضها، بالعنف مرة، وبالانقسام الطائفي، مرة أخرى، حركة تاريخية مستمرة حتى تحقق أهدافها.
رابعاً: لم تجد كل محاولات النخبة السياسية العراقية حتى الآن، بإيقاف الحركة الشعبية من خلال تخويفها من «داعش»، بل على العكس رددت العديد من الساحات تلك الشعارات التي تفضح العلاقة العضوية الموضوعية بين الفساد والإرهاب، باعتبارهما يكملان أحدهما الآخر.
خامساً: إن العراق ليس البلد الوحيد المؤهل لتفجر هذا النوع من الاحتجاجات الطبقية ذات الأفق الوطني، فكل الدول التي تعاني من هذا المستوى من التناقضات الاجتماعية والسياسية قابلة للدخول بهذه التجربة خارج رغبة القوى والنخب السياسية، باعتبار أن هذه الاحتجاجات هي أصلاً رد فعل موضوعي، على القهر الاجتماعي والسياسي، وإفلاس الطبقة السياسية المتحكمة بمقاليد الأمور.