48 عاماً على النكسة.. الجولان وجهة ثابتة
ربما يزعم البعض أن الكتابة عن الجولان المحتل هي «ضربٌ من الفانتازيا»، وسورية على ما هي عليه، من جغرافيا متشظية، وحدود مستباحة، وشعب مثقل بأوزار الحرب، ومستقبل «مجهول»، وجهة النظر هذه ستبدو باهته، وغير واقعية، إذا نظرنا إلى قضية الجولان ضمن مقاربة وطنية عميقة، تنطلق من كون الاحتلال الصهيوني لهذا الجزء من التراب الوطني، هو بالأصل جزءٌ من المشكل السوري.
هذه المقاربة تتجاوز الخطب الوطنية الشعبوية، التي قدمت لنا على مدى عقود بالصيغ الإنشائية التي لا تقدم ولا تؤخر، نحو رؤية وطنية شاملة ومتكاملة، مقاربة تأخذ التجربة التاريخية بعين الاعتبار، وتؤسس لواقع جديد.
استنزاف للأرض و«توطيد» للاحتلال
بعد النكسة، شرعت حكومة العدو بانتهاج سياسة الأرض المحروقة، في محاولة لطمس معالم وتاريخ وهوية المنطقة، إذ بدأت بتدميرٍ متعمد للقرى والمزارع والمدن المحتلة، البالغ عددها أكثر من 164 قرية و146 مزرعة، فضلاً عن مدينتي القنيطرة وفيق. وفي ذلك الحين، برزت خمسة قرى (هي مجدل شمس وبقعاتا وعين قنية ومسعدة والغجر)، والتي صمد أهلها في وجه الاحتلال، خلال محاولاته الهادفة إلى فرض «الهوية الصهيونية» على أصحاب الأرض السوريين.
ومنذ أن سلب الجولان من الأرض السورية، لم يتوقف الكيان الصهيوني عن عمليات توسيع «مستوطنات» هضبة الجولان، واستغلال مواردها الطبيعية وتضاريسها الجبلية العالية، واستنزافها إلى الحد الأقصى. عدا عن موجات الاستيطان التي استماتت حكومة العدو لتصعيدها في الهضبة، إذ بلغ عدد المستوطنين الصهاينة في الجولان المحتل، عدد سكانها الأصليين أصحاب الأرض (22 ألف نسمة)، وهم المقيمين في مجدل شمس وبقعاتا وعين قنيا ومسعدة والغجر.
هذا، ويستغل الاحتلال خصوبة أراضي الهضبة، الممتدة على مساحة 1100 كلم مربع، ووفرة مياهها لزراعة كروم التفاح والكرز والعنب، وغيرها من المزروعات التي تدر أرباحاً كبيرة على خزينة الكيان. وبالإضافة إلى بناء عشر طواحين هواء لإنتاج الطاقة، منحت حكومة العدو التراخيص اللازمة لشركة «أوفك» الأمريكية التي تستعد للتنقيب عن النفط وسرقته بشكلٍ علني في وسط وجنوب الجولان. هذا، فضلاً عن قيام العدو بإلقائه المخلفات السامة والكيميائية والمشعة لمصانعه في أراضي الجولان، والقيام بنقل التربة الخصبة فيه إلى المستوطنات الصهيونية، وفيما يحصل السكان العرب السورين في الجولان على 5 مليون متر مكعب سنوياً من مياههم لري 30 ألف دونم مزروعة، يستولي المستوطنون الصهاينة في الجولان على 76 مليون متر مكعب سنوياً.
محاولات التجنيد ومقاومة السوريين
في سياق عملها على تجنيد الشباب السوريين للخدمة في صفوف جيش العدو، تعمل الحكومة الصهيونية على ترويج مشاريع تحت مسمى «الخدمة المدنية»، التي تحاول «تقليص المسافة بين الجولانيين، وبين مؤسسات الشرطة والجيش». ومن هذه المشاريع، مشروع «متسيلا»، التابع إلى «جهاز الأمن الداخلي» الصهيوني، والذي يحاول تجنيد السوريين من خلال محاولات جرهم إلى مستنقع «الجمعيات المحلية» التي تفضي في نهاية المطاف إلى إدخالهم في صفوف جيش العدو.
وفي مقابل هذه المخطّطات التي تستهدفهم وتستهدف هويتهم بشكل مباشر، يعمل السوريون في الأراضي المحتلة على إجهاض تلك المشاريع. وفي السنة الماضية، كان الجولان قد شهد حملة واسعة نظمها أهاليه، وحملت اسم «جاري التجنيد.. خليك صاحي». وقاموا من خلالها بالتعبئة العامة ضد هذه المشاريع، وكشف الأهداف السياسية والعسكرية لهذه المشاريع التي تصب في خدمة العدو الصهيوني.
صدقي المقت معتقلاً للمرة الثانية
خلال الأسبوع الماضي، مددت سلطات الاحتلال الصهيوني، للمرة الثالثة على التوالي، اعتقال عميد الأسرى السوريين، صدقي المقت، إلى الأول من تموز القادم، بعد أن كان موعد محاكمته مقرراً يوم الأربعاء الماضي. حيث أصدرت المحكمة العنصرية في الناصرة، قراراً يقضي بإجراء جلسات المحكمة بأبواب مغلقة، من دون أي حضور أو سماع لمجريات المحاكمة.
يذكر أن قوات العدو كانت قد أفرجت عن المقت، في شهر آب عام 2012، بعد 27 عاماً قضاها في غياهب معتقلات الاحتلال، لتعيد اعتقاله في 25 شباط من العام الجاري، «لأسباب ودواعي أمنية».
المواجهة قدر!
واقع الحال أنه على الحدود السورية دولة احتلال ذات طبيعة خاصة، لها دور وظيفي، تجاهر بمنطق التوسع، والعدوان، منذ تأسيسها، وهو ما فرض وما زال يفرض على السوريين المواجهة، بمعنى آخر فرضت الجغرافيا أن تكون سورية دولة مواجهة، فالمواجهة مع دولة الاحتلال في الظروف السورية هي رد فعل موضوعي يتجاوز ما هو أيديولوجي أو سياسي، ولأن حقوق الشعوب لا تسقط بالتقادم، فإن مهمة تحرير الجولان تبقى قائمة على جدول الأعمال، بغض النظر عن إرادة أية قوة سياسية سورية سواء كانت نظاماً أو معارضة، و حتى بغض النظر عن الظرف الذي تمر به البلاد، لا بل ربما يكون فتح هذا الملف والعمل الجدي عليه، باباً للقيام بمهمة وطنية مركبة:
- إحياء مهمة تحرير الجولان ووضعها على جدول الأعمال، شعبياً ورسمياً، كمهمة وطنية، لا يحق لأحد تجاهلها أو شطبها من جدول الأعمال.
- تكوين حالة وطنية عامة انطلاقاً من هذه المهمة، على أساس الوطني واللاوطني، تعيد ترتيب القوى السورية على أساس موقفها من القضية الوطنية، التي تنسف موضوعياً كل ما أنتجته الأزمة من محاولات التطييف والتمذهب، ومن تشويه في مفهوم الوطنية باعتباره معادلاً للموقف من النظام، وبالتالي يبلور الكتلة الشعبية والسياسية القادرة على حسم ميزان القوى في الداخل، باتجاه الحل السياسي.
مهام متداخلة:
كانت وما زالت إحدى أهم إشكالات الفكر السياسي السوري على العموم، الموالي منه والمعارض، هي الفصل بين المهام المطروحة على جدول الأعمال، والتي يحددها الواقع السوري نفسه، وهي المهام الوطنية والاقتصادية الاجتماعية والديمقراطية التي ينبغي حلها، كحزمة متكاملة لا يمكن حل واحدة منها بالشكل المطلوب دون أن تقترن بحل الأخرى، باعتبارها مهمة واحدة أصلاً، هذه المهام طالما تعاطى معها الخطاب السياسي السوري السائد على أنها مهام مستقلة بذاتها، الأمر الذي أدى إلى عدم إمكانية حل أي منها، لا بل أدى هذا الفصل الميكانيكي، إلى تردي الوضع في جميع المجالات.
النظام الذي وضع القضية الوطنية - بفهمه الخاص لها- كأولوية يجب أن تخضع لها القضايا الأخرى، لم يغير زاوية الرؤية لديه رغم كل ما حدث ويحدث، حتى في ظل موضوع الأولوية ذاته أي الوطن يكاد ألا يكون؟
بعض قوى المعارضة، التي ترى في التغيير مجرد عملية سياسية وتغيير في البنى الفوقية، أي عملية استلام وتسليم سلطة لا أكثر، تحت يافطة أولوية الديمقراطية، هي الأخرى لم تغير زاوية الرؤية لديها رغم كل ما حدث ويحدث، وكأنها يمكن أن تمسك بالسلطة ولو في الفراغ وليس بالضرورة في وطن كوحدة جغرافية وسياسية..
في ذكرى النكسة المشؤومة، والاحتلال الصهيوني للجولان، المطلوب من الوطنيين السوريين كلهم، تغيير زاوية الرؤية إلى الوضع في البلاد، وبلورة رؤية شاملة تنطلق من الحفاظ على وحدة البلاد أرضاً وشعباً، وفسح المجال أمام عملية التغيير الوطني الديمقراطي الجذري والشامل.