عوامل انتكاسة الدولة الوطنية الديمقراطية وخصائصها
جبران الجابر جبران الجابر

عوامل انتكاسة الدولة الوطنية الديمقراطية وخصائصها

ترى الماركسية أن الدولة نتاج المجتمع عند درجة من تطوره، وهي ليست قوة مفروضة على المجتمع من خارجه، وتعبر الدولة عن ضرورة اجتماعية بعد أن ترسخ الانقسام الطبقي، وهي سلطة عامة تعبر جوهرياً عن مصالح الطبقة السائدة.

إن تاريخ البشرية يدل على أنواع الدولة، التي كانت بداياتها بدولة الرق والعبودية، ثم كانت دول الإقطاع وتلتها الدول البرجوازية، التي تحولت إلى دول الاحتكارات الكبرى، كما هو الحال في الولايات المتحدة والدول الأوربية الغربية.
توخى نضال الشعوب التي كانت تحت الاستعمار الكولونيالي، التحرر الوطني والاستقلال وبناء الدولة الوطنية الديمقراطية. وقد واجه هذا الهدف عوامل الضعف التاريخية وعوامل الإخفاق، ولكن الشعوب تتابع نضالها من أجل بناء الدولة الوطنية الديمقراطية.


الاستبداد العثماني ورّث التخلف

لقد رزحت البلدان العربية قروناً تحت نير الاستبداد العثماني الذي غلف ذاته بالدين، وحال ذلك التخلف دون دخول الدول العربية في نطاق الحداثة التي هي انتقال المجتمع من الزراعة إلى الصناعة، مع كل ما يرتبط بذلك من تداعيات على كافة الصعد الاجتماعية والاقتصادية، وكان أساس ذلك عدم المرور بمرحلة الإقطاع، حيث الفلاح له حق الانتفاع، وليس له حق الملكية والتصرف بالأرض، التي كانت ملكاً للسلطان العثماني. وقد علل انجلز عدم انتقال الامبراطورية العثمانية إلى الحداثة بالاستبداد الذي لم يكن ملائماً للاستثمار الرأسمالي. وأشار ماركس أن البلدان التي التحقت بقافلة الحضارة الحديثة هي التي مرت بالإقطاعية.
الانقلابات العسكرية وضعف البرجوازية الكبرى
لقد لعبت الانقلابات العسكرية دوراً معادياً لبناء الدولة الوطنية الديمقراطية، وقد اتسمت بالعداء للديمقراطية، وقوت من نفوذ الاستعمار، وعرقلت التنمية الاقتصادية، وقد ساعدها في ذلك ضعف البرجوازية الكبرى، فقد كانت مسايره لكبار الملاكين، وغير حازمة إزاء المشاريع الاستعمارية، ولم تكن واثقة ومطمئنة على مستقبلها ولم تتصد للمشاريع الاقتصادية الأساسية وتنامى اهتمامها الكمبرادوري، وامتازت في سلوكها بانهيار ثقتها بالمستقبل وأدى ذلك إلى أنها  لم تتحول إلى برجوازية صناعية متطورة.


البرجوازية الصغيرة المنفلتة من عقالها

انتهت البرجوازية الصغيرة إلى الفشل  في بناء الدولة الوطنية الديمقراطية بنموذجها المطلوب، وفي التاريخ القريب أمثله عديدة للدلالة بيسر على ذلك،  وهي أي البرجوازية الصغيرة تبقى في حالة تأرجح مستمر بين يمين متراجع ويسار متهور، ولا ينفي ذلك قابلية أفرادها وقدرتهم على التخلص من طبائع البرجوازية الصغيرة وأفكارها وأيديولوجياتها، فلم تكن في نهاية المطاف وطنية عبد الناصر وتصوراته، بل كان السادات ثم حسني مبارك، وكان العداء للديمقراطية ثم الاستسلام للمشروع الصهيوني والتبعية الكاملة للإمبريالية، وقد انفصل الوعي السلطوي عن الحقائق التي تميز بين النظام الجمهوري وغيره من النظم، وجرى الإمعان في التصرف بحقوق الشعب السياسية مع التعكز على الدين، واستشرى الفساد وطغى حقل الأمن على الحقول الأخرى بما فيها الاجتماعي والثقافي، وانتفت العلاقات السياسية الديمقراطية، واعتمدت قوى الأمن، وأبعدت الجماهير الشعبية عن الوقوف في وجه العمليات الإرهابية.


الاشكال الاستعمارية الجديدة

تنوعت تلك الأشكال، فكان منها الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والعسكري والثقافي، وقد اعتمدت الدول الإمبريالية التركيز على جعل تلك الدول ملاحق لمصالحها، وكثيراً ما أحجمت عن الإسهام في المشاريع التنموية الهامة، وأرادت أن تظل الدول النامية زراعية وسوقاً لمنتجاتها.


اعتمدت في مرحلة على إقامة الأحلاف ونشر قواعدها العسكرية، كما اعتمدت على عداء الديمقراطية ودعمت الانقلابات العسكرية، وكان خطرها الأكبر سياسات غير مباشرة لتأجيج فعل العلاقات المتخلفة كالطائفية والقبلية والعشائرية. إن إسهام القوى الاستعمارية في تفعيل وتأجيج العلاقات الاجتماعية المتخلفة، يقصد منه أيضاً إضعاف التنمية الاقتصادية والعداء للفكر العلمي الاشتراكي، وقد جاءت العولمة منعطفاً لإنهاء كل تطلع لبناء الدولة الوطنية الديمقراطية، واعتمدت الحروب الداخلية وإطالة أمدها لأهداف التخريب الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، وللخروج من أزمتها، وساهمت بصورة مباشرة وغير مباشرة، بالحروب العدوانية، وخططت وساهمت بالانقلابات العسكرية في أمريكا اللاتينية وغيرها، وأشعلت الحروب القبلية في أفريقيا، ولعبت على الميراث الاستعماري بين الدول المستقلة، والأهم أنها شكلت قوة لقطع الطريق أمام ادخال الدول النامية للحداثة اقتصادياً وسياسياً وثقافياً واجتماعياً، ودعمت التنظيمات الدينية وتحالفت معها.

الديمقراطية وحكم البرجوازية الصغيرة

 غياب الديمقراطية يجعل البرجوازية الصغيرة الحاكمة منفلتة من عقالها، وتحتقر كل التزام ديمقراطي، كما أن غياب الديمقراطية يدفع إلى الشوفينية القومية التي تنتهي إلى الطائفية والعشائرية، كما جرى أيام صدام حسين وغيره، إن العلاقات السياسية الديمقراطية تضعف الخصائص السلبية للبرجوازية الصغيرة، وتوفر كوابح مضادة للفساد، وانتهاك القوانين والقضاء، كما أن العلاقات السياسية الديمقراطية تكوّن قوى ضاغطه على مآرب البرجوازية الصغيرة، وتضعف ميولها اليمينية، وتكبح تطرفها، وتحول دون نشر ثقافة الفساد ونشره اجتماعياً، مع التنويه بأن العلاقات السياسية الديمقراطية أهم مقومات الدولة الوطنية الديمقراطية.

خصائص الدولة الوطنية الديمقراطية

تتسم الدولة الوطنية الديمقراطية بقابلية التطور، وتحمل في أحشائها إمكانات التطور إلى مراحل أرقى عندما تسمح الأوضاع بذلك، وعلى أسس الحريات الديمقراطية، وهي تقوم على ممارسة السيادة الوطنية، مترابطة مع العلاقات السياسية الديمقراطية.
العلاقات السياسية ومحدد السيادة
يعتمد بناء تلك الدولة على الوحدة الوطنية، التي لا يمكن تحقيقها بدون العلاقات السياسية الديمقراطية، ويشمل ذلك التحالف مع البرجوازية الوطنية العاملة في الانتاج الصناعي والزراعي، إلا أنها لا تقوم بدور القائد للوحدة الوطنية، وعماد هذه العلاقات هو التوافق على برامج واضحة ومحددة ترتكز على السيادة الوطنية، ورفض الخطط والمشاريع الامبريالية ومجابهة الطائفية والديكتاتورية.
مصالح المنتجين من مصالح الوطن
إن العلاقات السياسية الديمقراطية تجعل السياسات والاستراتيجيات الداخلية شأن يخص كافة الأحزاب الوطنية الديمقراطية، وتضع الأجهزة الأمنية تحت سلطة القضاء، وتحدد سلوكياتها القانونية، وتحرم الاعتقالات الكيفية والتعذيب.
إن الدور الرئيس تضطلع به جموع المنتجين بسواعدهم وأدمغتهم، خاصة أولئك الذين يعيشون على عملهم الجسدي والفكري، ولهم حقوقهم  السياسية الكاملة والنقابية، إن تلك الأطياف والشرائح كانت دائماً تعبر في جوهر مطالبها عن أهمية ارتباط قيمة الإنسان، مادياً ومعنوياً بعمله وجهوده وإبداعاته الرامية لتطوير وطنه وإغنائه مادياً وروحياً.
حول قوانين الانتخابات والعلاقات الدولية
إن قوانين البلاد المتعلقة بالانتخابات لا تعتمد الطائفية، ولا تقاسم مراكز السلطة، إنها ترسخ تمثيل طبقات الشعب وشرائحه، بحسب دورها في قابلة الإنتاج، قابلة للتطور الإيجابي والوطني، ودفاعاً عن الوطن والديمقراطية، وتقيم الدولة الوطنية الديمقراطية علاقاتها الدولية، على أساس تقوية وتطوير الدولة الوطنية الديمقراطية والدفاع عنها، لتدعم النماذج المشابهة لها، وتعارض  سياسات الهيمنة الإقليمية والدولية، وتعتمد الهوية الوطنية، وتبتعد عن الانتقائية فيما يتعلق بالسياسات الطائفية والأنشطة المتعلقة بها، وتستطيع الدولة الوطنية الديمقراطية في ظروف العالم الرأسمالي تنويع علاقاتها بما يخدم تطور بنيتها الاقتصادية والتحتية. وتبني علاقاتها الاقتصادية الخارجية ضمن محدد مستلزمات تحديث وتطوير قاعدتها الاقتصادية، وهي في ذلك تضع قطاع الدولة وتطويره الدائم بمثابة الأساس للتنمية الشاملة، كما أنها تأخذ مصالح البورجوازية الوطنية الصناعية لتعطيها فرصة ومجالاً للاختبار في  المشاريع الإنتاجية القادرة على إنجازها.