الغرب... والقضية الكردية!
إقتُرح في معاهدة سيفر عام 1920 إنشاء وطن مُستقل للشعب الكُردي، ما يُثير الإهتمام هو أن «كُردستان» التي اقترحت اقتصرت حصراً على المناطق الكردية ضمن حدود الدولة التركية دون أن تشمل المناطق الأخرى. أوضح الحلفاء أيضا بأنهم لن يُقدموا دعما عسكريا أو ماليا للدولة الكُردية الناشئة، و بسبب ذلك لم يأخذ الأمر وقتا قبل أن تقضي القوات التركية على الكيان الناشىء و الآمال الكردية بوطن مُستقل.
في عام 1946، عندما كانت قوات الاتحاد السُوفيتي تسيطر على شمالي ايران «مناطق كردية»، وشجع الإتحاد السوفيتي كُرد ايران لإنشاء كيان لدولة مُستقلة. وبالفعل قدم الاتحاد السوفييتي الدعم للكرد واعلنت جمهورية مهاباد بقيادة القاضي محمد . بقيت الجمهورية الناشئة لفترة وجيزة. و تحت ضغط أمريكي و بريطاني مُتزايد إضطر الإتحاد السوفيتي فعليا لسحب قواته من ايران في نهاية الأمر.
خلال عامي 1974 و 1975 دعمت ايران الشاه و بمُباركة أمريكية الإنتفاضة الكُردية ضد الحكومة المركزية العراقية. حيث كان شاه ايران يرغب في استخدام الورقة الكردية لإضعاف العراق. لكن في تغير كامل مُفاجىء في الموقف عقدت ايران مُعاهدة مع العراق و التي تُعرف بإتفاقية الجزائر حيث تعهدت ايران بوقف دعمها لـ«تمرد» الكُرد في العراق. نُتج عن الإتفاقية نهاية مأساوية للكرد و ترحيل إجباري لأكثر من 250 ألف كُردي من شمال العراق إلى مناطق أخرى من البلاد.
- خلال حرب الخليج الثانية عام 1991 حمل كُرد العراق السلاح بوجه النظام العراقي، في محاولة للاستفادة من الظرف الناشىء بعد «هزيمة» الجيش العراقي، وحاولت الزعامات الكردية استغلال الظرف الناشىء، وشاءت الظروف الدولية أن تتوقف ما أطلق عليها عملية «عاصفة الصحراء» على نحو مفاجىء في شهر شهر شباط من ذلك العام في فترة حكم جورج بوش الأب، وأصبح الاكراد تحت رحمة النظام العراقي مرة أخرى فتم تهجير مليوني كُردي بإتجاه الحدود الإيرانية و التركية و توفي ما لا يقلُ عن عشرين ألف شخص أثناء محاولة القيام بذلك .
تظهر هذه الوقائع التاريخية، أن الغرب عموماً تعامل دائماً مع المسألة الكردية كأداة ابتزاز وتمرير مشاريع و تصفية حسابات إقليمية ودولية، واللافت أن كل خذلان غربي للكرد سبقه تهويل إعلامي عن القضية الكردية، دفع بعض القيادات الكردية إلى رفع سقف مطالبها، وبغض النظر عن مشروعية تلك الحقوق من حيث المبدأ، كان يتم توظفيفها في خدمة المشاريع الغربية وتحديداً الأمريكية، سواء كان لحسابات سياسية خاطئة، أو قراءات تقليدية لاترتقي إلى حقيقة فهم المشاريع الغربية، أوفهم خصوصيات القضية الكردية نفسها.
القضية الكردية مرة أخرى!
منذ إعلان ما يسمى الحرب على الإرهاب، تتسع دائرة الاهتمام الغربي والأمريكي على وجه الخصوص بالقضية الكردية في ظل الوضع الاقليمي المضطرب، بدءاً من دراسات مراكز الأبحاث الغربية، ومروراً بتصريحات الساسة الرسميين، وانتهاء بالخرائط التي تضخ عبر وسائل الإعلام بين فترة وأخرى، فهل يمكن الحديث عن تغيير في نظرة الغرب إلى هذه القضية ؟؟
للإجابة الدقيقة على السؤال يجب الإجابة على أسئلة اخرى:
- هل تغيرت البنية الحاكمة في هذه الدول من حيث هي ممثلة لشركات احتكارية ما فوق قومية ترسم سياساتها بما يعبر عن مصالحها اولاً وقبل كل شيء، دون أي اعتبار لمسائل الديمقراطية وحقوق الشعوب وما إلى ذلك من بروباغندا تستغل عذابات الناس والمآسي التاريخية التي مروا بها؟
- هل تغيرت خصوصيات القضية الكردية باعتبارها قضية إقليمية بطبيعتها، بسبب توزع الكرد بين عدة دول من دول المنطقة؟
- هل القوى الغربية في ظل تصاعد دور مراكز دولية جديدة في وضع يسمح لها بتجاهل مصالح قوى إقليمية « تركية» مثلاً، لاسيما أن هذه الأخيرة تقيم الدنيا ولا تقعدها أمام كل تطور في الاهتمام بالقضية الكردية؟
- والسؤال الأهم، أين تكمن مصلحة الكرد اليوم، هل في الانفصال دون وجود أية مقومات حقيقية لاستمرار بقاء أي كيان في ظل وضع دولي مضطرب تتغير فيه التحالفات والمواقف بين يوم وآخر..؟
الغرب الرأسمالي هو الغرب ذاته الذي خذل الكرد في اتفاقية سيفر، وهو الذي رسم خرائط سايكس بيكو، وهو ذاته الذي ضغط للإجهاز على جمهورية مهاباد، وهو نفسه الذي استثمر في نزوح الكرد بعد عاصفة الصحراء، وإذا كان هناك ما تغيّر لديه فهو ازدياد الجشع والتوحش وعسكرة العالم كعادته عند حصول أية أزمة اقتصادية لديه، مما يضطرها إلى التمسك بدولة مثل تركية كحليف استراتيجي ومراعاة مصالحها على الأقل، الأمر الذي يعني تناقضاً مباشراً مع الكرد، لاسيما وإن سياسات الاحتواء المزدوج في ظل الاستقطابات الحادة تنهار بالضرورة.
إن مصلحة الأكراد هي امتداد لمصالح شعوب المنطقة قاطبة وجزء منها، وتتكامل معها موضوعياً على الاقل، حيث تكمن هذه المصالح في وحدة نضال شعوب الشرق العظيم ضد المشروع الغربي القائم على ضرب الكل بالكل، وإنهاك الكل، وفرض مشاريعه على الكل، مما يفرض مواجهته من الجميع على أساس الحفاظ على السيادة، والديمقراطية والاعتراف المتبادل بالحقوق.