السوريون في مهب «أمر واقع» أمريكي استباقي جديد..!
على وقع لجوء واشنطن لتنفيذ ضرباتها العسكرية على الأراضي السورية بذريعة استهداف صنيعتها أساساً، تنظيم داعش وأشباهه الإرهابيين، انفجرت المواقف السياسية والتحليلات الإعلامية في قراءة الأمر الواقع الامريكي الخطير الجديد، وسط تجاهل بعض الأطراف لـ«مصادفة» الدخول المتزامن للعامل الأمريكي شمالاً و«العامل الإسرائيلي» جنوباً على نحو مباشر على مشهد الأزمة السورية.
ردود الفعل المباشرة
ما أن تم الإعلان عن الضربات الأمريكية حتى سارعت مختلف الأطراف المعنية للخروج لمواقفها. دمشق وبصياغات وقنوات مختلفة: «تم إبلاغنا، ونحن نرحب بأي جهد دولي حقيقي لمكافحة الإرهاب». واشنطن بإصرار وعنجهية: «لم ننسق»..! موسكو: «الإبلاغ ليس تنسيقاً بل يحتاج الأمر لموافقة دمشق أو العودة لمجلس الأمن»..! بان كي مون: «دمشق لم تطلب ولكن تم إبلاغها»..! إيران: «الضربات الأمريكية على سورية عدوان»..! حزب الله: «أمريكا فاقدة لأهلية قيادة أي تحالف دولي نرفضه أساساً»..! معارضة الخارج: «ترحيب بالضربات الأمريكية التي ستقضي على داعش والنظام معاً»..! بعض معارضة الداخل حتى قبل الضربات العدوانية: «تشكيك مسبق بالحلف الأمريكي ونواياه العدوانية المبيتة وتخوف على الجيش وبقاء الدولة السورية»..!
على من تضحك واشنطن؟
وبين القبول السوري الرسمي الضمني والمعلن والذي لم يعتبر الضربات انتهاكاً للسيادة وبين الرفض والاستياء الروسي والإيراني ومن حزب الله، باتت بعض التحليلات تذهب إلى القول بوجود إدارة للمعركة مع «الأمريكي/ الداعشي» بين هذه الأطراف، والأخرى تقول بوجود تخبط وحلقات ضعيفة، في حين ذهبت ثالثة إلى وجوب تغيير المعادلات الإقليمية لدى كل طرف بعد دخول العامل الأمريكي وحتى الإسرائيلي، ليظهر أن الأمريكي الذي تجاوز القرار 2170 وقدم تفسيره أحادي الجانب ليأخذ تخويلاً ذاتياً لإقامة تحالف أراد فرض أمر واقع آخر على كل الأطراف تحت يافطة استهداف الإرهاب..! ولكن بالجوهر على من تضحك واشنطن غير ذاتها بذلك، في وقت يعلم فيه الجميع صنيعة من كانت التنظيمات الإرهابية المتشددة ومن ثم التكفيرية منذ الثمانينيات وحتى اليوم..؟!
في كل الأحوال يبدو واضحاً أن الأمريكي يريد دخوله مديداً، بهدف تكريس نقل الوضع في المنطقة انطلاقاً من العراق وسورية إلى إحداثيات جديدة عنصرها الأساسي عودة التدخل الأمريكي الخارجي المباشر الذي منعه طيلة أكثر من ثلاث سنوات ونصف الفيتو الروسي- الصيني المزدوج أربع مرات متتالية. وعلى اعتبار أن الإدارة الأمريكية تنظر للمنطقة تاريخياً بوصفها ساحة صراع واحدة فهي باتت تتحدث كما فعلت داعش تماماً عن أن الحدود لن تقف عائقاً أمامها، مثلما باتت تتحدث عن شهور وسنين وتعوم إعلامياً جماعات إرهابية جديدة توحي من اسمها بوجود مخطط أمريكي لاستدراج مناطق جديدة للصراعات والنزاعات المستحدثة على المنطقة بطابع عرقي أو ديني أو مذهبي، على أن يشمل ذلك إيران وباكستان وأفغانستان، ليضاف ذلك إلى الدور الوظيفي الموكول أمريكياً لداعش ذاته في سورية والعراق ولبنان والأردن وحتى الجزائر..(!) تحت ذريعة محاربته أي تقويته بالمحصلة، ولاسيما أنه حتى التقارير الميدانية غير الأمريكية تؤكد أن غارات التحالف الأمريكي تقتل مدنيين أكثر مما تقتل من عناصر داعش.
الثابت رغم الأمر الواقع..!
الغريب هو حدة الاصطفافات الجديدة وتأويلاتها الإعلامية لدى مختلف أطراف الصراع داخل سورية وعليها، إلى حد تخرج به صحيفة الوطن السورية مثلاً بمانشيت يتحدث عن تخندقات جديدة تجمع واشنطن بالجيش السوري..!! ولكن وبغض النظر عن ذلك تبقى محاربة داعش بالمعنى العسكري ضرورة ولكنها لن تتحقق بالقيادة الأمريكية مطلقاً لجملة من الأسباب الثابتة أولها انعدام الثقة تاريخياً بالإدارات الأمريكية المتعاقبة تجاه سورية وبلدان وقضايا المنطقة عموماً وثانيها التخوف المشروع بناءً عليه من إقدام واشنطن على استهداف قواعد ودفاعات الجيش العربي السوري، أي بالمحصلة فرط الدولة السورية على اعتبار أن مؤسسة الجيش هي أبرز وأقوى ضامن للوحدة الوطنية السورية.
ومع تحول الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي لساحة سجال دبلوماسي مع الأمريكي وأمره الواقع الجديد، ووسط حجم التدويل في واقع الأزمة السورية تتجه الأنظار نحو روسيا التي تقود هذا السجال الدبلوماسي مرفقة إياه بتحركات ميدانية عسكرية بحرية باتجاه السواحل السورية، ربما لفرض مراقبة حثيثة بانتظار أي خروج لواشنطن عن الاستهداف المفترض لداعش. وهنا قد يسأل البعض طيفاً واسعاً من الأسئلة: هل كانت روسيا متفاجئة بالخطوة الأمريكية هي الأخرى أم كانت تستدرج الأمريكي؟ هل ثمة اتفاق روسي أمريكي تحت الطاولة؟ هل ستسمح موسكو بوجود أمريكي مباشر جديد على تخومها الجيوسياسية، وإلى أي حد، وهي التي تتبع سياسات هادئة وحثيثة سبق لها أن كسبت جولات سابقة في أوكرانيا وسورية؟ هل سيضحي الروس بتثبيتهم المتراكم حتى الآن لميزان القوى الدولي الجديد المتشكل؟
الواضح أن روسيا- القوة الصاعدة مع حلفائها في مجموعة بريكس ومنظمة شانغهاي المقبلة على التوسع- أكدت مراراً وتكراراً أنها لن تقاتل نيابة عن أحد، ولكنها أكثر الأطراف تمسكاً جدياً بالحل السياسي للأزمة السورية، حتى أكثر من أطراف الصراع السوري المعومين إعلامياً..! وهي التي صوبت حتى خطاب دي مستورا بصيغة البيان المشترك الصادر في أعقاب اجتماعه مؤخراً مع نائبي وزير خارجيتها بأن لا بديل عن الحل السياسي في سورية على أساس جنيف1 وجنيف2، في وقت كان ينعي فيه المبعوث الدولي هذا الإطار وهذه المؤسسة..!
هل الجميع مستفيدون على قدم المساواة من خلط الأوراق؟
هذا هو السؤال الرئيسي المطروح اليوم..! وطبيعي أن يكون الجواب بالنفي، ولكن يبدو واضحاً أن كلاً من عنصر الوقت، والعامل الأمريكي/ الإسرائيلي وتحالفه، والجماعات الإرهابية، والفساد الكبير بسورية بتجلياته، هم أعداء الشعب السوري النازف على كل هذه الجبهات، ويبقى أن البديل الحقيقي هو حل سياسي شامل وجذري يضع على جدول أعماله مكافحة الإرهاب واجتثاثه بطبيعة الحال، لأن الوجود الأمريكي- الخليجي عدواني، حتى وإن كان جوياً، ولا يركن إليه جملة وتفصيلاً.