.. عن سابق إصرار وتصميم!!
بدأت الحكومة السورية على نحو متسارع خلال الأيام الماضية سلسلة إجراءات اقتصادية تمحورت حول رفع أسعار السلع الأساسية للمواطن السوري، وسط توقعات وأنباء عن رفع قريب لأسعار المشتقات النفطية والكهرباء، وذلك غداة إقرارها لمشروع قانون التشاركية بين القطاعين العام والخاص في استكمال للخط الاقتصادي الليبرالي «الدردري» المطبق بالبلاد على نحو مطرد، طيلة السنوات الماضية، والذي شكّل بوابات العبور للعدوان الخارجي
ولكن المفارقة غير المقبولة تكمن في أن الحكومات السورية المتعاقبة تتعمد عدم تعلم شيء من الأزمة الكارثية التي تعصف بالبلاد منذ ثلاث سنوات ونيف، وتعمد إلى تطبيق «الدردرية بحلة متجددة».
إن محاولات البعض تسويق مسوغات ساذجة حول اضطرار الحكومة لهذه الإجراءات غير الشعبية، وحول «ضآلة» حجم رفع الأسعار، ولاسيما وسط ما تعيشه سورية، مردود عليها جملة وتفصيلاً، للأسباب التالية:
أولاً، إنّ مسألة العجز الحكومي يمكن حلّها بالتوجه إلى جيوب الفاسدين الكبار، بمن فيهم سماسرة صفقات الطحين المستورد، الذين يعيثون فساداً وتخريباً بقدر ما يفعل الأعداء الخارجيون، وربما أكثر.
ثانياً، إن الخبز اليوم هو وجبة أساسية وحيدة، مخلوطة بالماء غالباً، لعشرات آلاف السوريين من المحاصرين أو النازحين نتيجة الكارثة الجارية، وإن رفع أسعاره تسبب مباشرة بارتفاع أسعار سلع أخرى في الأسواق.
ثالثاً، إنّ توقيت إجراء هذه الحملة، عشية انتهاء عمر الحكومة الحالية دستورياً، يشير إلى أنّ المستفيدين الحقيقيين منها يريدون تحميل وزرها لهذه الحكومة، بحيث تشكل «إزاحتها» باباً لتنفيس الاحتقان الشعبي من جهة، وبحيث تضطر أي حكومة لاحقة إلى التعاطي مع ما جرى بوصفه أمراً واقعاً «يصعب» التراجع عنه، من جهة أخرى.
رابعاً، إنّ إهمال الإعلام الرسمي وشبه الرسمي لهذه الحملة من رفع الأسعار، مقابل «انحيازه لمصالح الناس» في بعض الحملات السابقة، وتحديداً خلال الأزمة الوطنية الراهنة، يظهر درجة التواطؤ مع أصحاب المصلحة في عمليات رفع الأسعار، ويكشف زيف «حفلات الاحتجاج الديمقراطية» التي استخدمها هذا الإعلام سابقاً لخدمة أغراض سياسية محددة.
خامساً، ليس جديداً القول إن اتباع وصفات صندوق النقد والبنك الدوليين ومنظمة التجارة العالمية، بوصفهم الأذرع الاقتصادية للعدو الأمريكي الصهيوني، يسمح بتسرب الفوضى الأمريكية إلى البلدان المطبقة لهذه الوصفات، ليتم استكمال عملية التدمير الممنهج. فكيف تكون الحال مع بلد مثل سورية، يعيش في لجّة هذا التدمير؟ وكيف يمكن أن تستوي مواجهة المؤامرة الغربية سياسياً بالاندماج مع أدواتها ووصفاتها اقتصادياً؟
سادساً، إنّ أخطر ما في المسألة، هو تزامنها مع الترويج لقيام تقارب لاحق بين النظام وواشنطن في سياق «محاربة داعش»، وهو ما تعول عليه قوى الفساد الكبير في الدولة والمجتمع، المرتبطة بمصالحها الاقتصادية مع الغرب.
إنّ الحياة تثبت باستمرار أنّ جبهات القتال المختلفة ضد العدو الأمريكي- الصهيوني لا تنفصل عن بعضها أبداً، فالجبهة السياسية الوطنية، بما فيها العسكرية، لا تنفصل عن الجبهة الاقتصادية. وإنّ أولئك الذين يحاولون استغلال الظروف السيئة وانخفاض قدرة الناس في التعبير عن رفضها ليعمقوا عمليات النهب والفساد، إنما يطعنون في الظهر تضحيات شهداء الشعب والجيش العربي السوري، ويصطفون في نهاية المطاف إلى جانب مصالح أعداء سورية والشعب السوري.