«جنيف».. لا يزال المدخل الوحيد للحل السياسي!
مع اتساع خارطة المواجهة العالمية بين الولايات المتحدة الأميركية والقطب الروسي- الصيني الصاعد، عادت للظهور مجدداً الأصوات المشكّكة في «جنيف»، كعمليةٍ مطلوبٌ منها توفير الظروف الملائمة لحل الأزمة السورية سياسياً. تلك الأصوات إذ تستغل ظهور الوقت المستقطع الذي خلقته المواجهات الدولية الجديدة، تسعى في جوهر الأمر إلى وأد الحل السياسي، وتمرير برامجها التي تعود إلى حقبة «الحلول العسكرية»
مرّ على انتهاء أعمال مؤتمر «جنيف-2» عدّة شهور. خلالها، اتسعت دائرة التوتر على المستوى العالمي في أكثر من منطقة في العالم. وخلالها أيضاً، أرجئت عملية التفاوض لإيجاد حلً سياسي للأزمة السورية على المستوى الدولي،. هذا الأمر بالذات حدا بالقوى الرافضة بالأساس للحل السياسي، والتي تتوزع بين الموالاة والمعارضة، لإعادة نعي مؤتمر «جنيف»، واعتباره فاشلاً في تحقيق مهمته..
بالعودة إلى الفترة التي انعقد فيها مؤتمر «جنيف-2» والفترة التي سبقتها، نجد أن تلك الأطراف كانت تسوق مبرّرات مختلفة لتبرير رفضها لـ«جنيف»؛ فبعض قوى الموالاة المتشدّدة كانت تعد مؤتمر «جنيف» يجري فوق السيادة الوطنية السورية، وأنه بحد ذاته تدخل خارجي في الشأن السوري. وفي المقابل كانت قوى المعارضة اللاوطنية قد حملت، من خلال وفدها في مؤتمر «جنيف-2»، مهمة إفشاله وتفريغه من مضمونه. ولم تكد تمضي فترة انعقاد مؤتمر «جنيف-2»، واندلاع الأزمة الأوكرانية، حتى سارع الطرفان المتشدّدان إلى إعلان فشل «جنيف»، وشرع كل منهما في رسم «خارطته» الخاصة للمرحلة التالية. فيما تصاعدت على الأرض حدّة المواجهات العسكرية، وانبعثت مجدّداً مقولات «الحسم- الإسقاط» في صفوف القوى المتشدّدة.
بعيداً عن التفاصيل المتعلقة بمؤتمر «جنيف» أو شكل انعقاده، من حيث المكان أو الزمان أو حتّى الأجندات المختلفة التي تطرح ضمنه، كان من المطلوب من هذا المؤتمر أن يكون مدخلاً للحل السياسي، بمعنى كان عليه، وما زال، أن يحقق المبادئ العامة الثلاثة المتمثلة، بوقف التدخل الخارجي، ووقف العنف، وإطلاق العملية السياسية. وطالما أن هذه العمليات الثلاث لم تتحقّق بكليتها بعد، يبقى أي حديث عن حل للأزمة بوسائل أخرى غير ممكن، حيث لا يمكن تحقيق أي من تلك الشروط الثلاثة من طرف واحد، وعليه فإن «جنيف» كعنوان لتلك الشروط الثلاثة يبقى ضرورياً.
وفي ظل درجة عالية من تدويل الأزمة السورية، لا مناص من جمع الأطراف الدولية الكبرى والفاعلة على طاولة حل الأزمة السورية وإيجاد الصيغة النهائية التي تضمن الحل. وعلى هذا الأساس، فإن كل حديث عن حلول بديلة للأزمة السورية لن يفضي فقط إلى رفع التكلفة على الدولة والشعب السوري، بل من شأنه أيضاً أن يعزّز حالة الانقسام العمودي في المجتمع السوري، والتي تتناقض بدورها مع الحل السياسي الحقيقي.
وبالرغم من أن الأشهر الماضية انخفض فيها مستوى تداول مفردات الحل السياسي، إلا أن استمرار تعمّق الأزمة، الراجع بدوره إلى استمرار تغييب الحل السياسي، يعيد موضوعياً وبقوة استحقاق «جنيف»، ضمن التعريف المذكور آنفاً، إلى الواجهة، ويضعه فوق كل استحقاق، فلا تزال أقنية التدخل الخارجي العسكري دافقة، والمواجهات العسكرية تحقق مستويات غير مسبوقة، فيما لم تشهد البنية السياسية القائمة أي تغير يلبّي متطلبات الشعب السوري.
إن مؤتمر «جنيف» يبقى ضرورياً، وممراً إجبارياً لحل الأزمة السورية، ما دامت مهامه، المتمثّلة بثلاثية: وقف التدخل الخارجي، ووقف العنف، وإطلاق العملية السياسية، قائمة وضرورية.