في «الوطنية» و«الدفاع عن الوطن»..

في «الوطنية» و«الدفاع عن الوطن»..

تثبت «واشنطن»، مع كل تقدم للتوازن الدولي الجديد، إصرارها على توسيع الحريق العالمي، فيما تثبت الوقائع الجارية أن الفاشية ما زال لها وزن هام في الإدارة الأمريكية. يدخل في هذا السياق تطوران بارزان، الأول هو بداية دخول المسألة الأوكرانية إلى نفق العسكرة

بما يوضح إصراراً أميريكياً على خلق بؤرة متفجرة على تخوم روسيا ضمن محاولة استدراجها إلى نزاع مسلح مديد على الأراضي الأوكرانية. التطور الثاني، يتمثل بارتفاع حرارة القتال في مناطق متعددة من سورية بينها حلب وكسب، تزامناً مع تكليف الصهيوني المعروف دانيال برنشتاين خلفاً لروبرت فورد، بما يوضح أيضاً رغبة أمريكية بإدامة حالة الاشتباك والاستنزاف وصولاً إلى استكمال «إحراق سورية».
إنّ هذين التطورين، إذ يعكسان النفوذ الفاشي في الإدارة الأمريكية، فإنهما يعكسان كذلك خوف «واشنطن» المزمن من التسويات والحلول السياسية، ذلك أنّ مثل هذه الحلول بتكريسها ونضجها ستعمل على تظهير إرادات الشعوب المستنزفة المعادية بطبيعتها لواشنطن، كما أنها ستظهر التوازن الدولي الجديد بوجهيه الاقتصادي والسياسي، وبشكل خاص أمام وقائع تثير الهلع لدى الغربيين عموماً، وعلى رأسها تأكيدات بعض الاقتصاديين الغربيين على أن الصين ستصل خلال العام الحالي إلى الصدارة كأكبر اقتصاد عالمي، لتزيح الولايات المتحدة التي احتلت هذا المقعد منذ 1872 وحتى الآن، أي طوال أكثر من 140 عاماً! وذلك بالإضافة إلى أن الهند باتت تحتل موقع ثالث أكبر اقتصاد في العالم.
إنّ هذه الوقائع وغيرها، تشير بوضوح إلى أنّ الحلول السياسية على المستوى الدولي، تقطع الطريق على الأمريكيين الساعيين اليوم إلى إحداث درجة أعلى من «التنفيس» عن أزماتهم ومشكلاتهم الاقتصادية الخانقة عبر الحروب البينية، واستنزاف الشعوب وتفتيتها، باعتبار هذه العملية تمثل- كما في السابق- اشتباكاً غير مباشر مع الخصم على أراضي الغير، وهو ما بات يتمثل حالياً بروسيا والصين بوصفهما مصدر التهديد الاستراتيجي الأساسي.
في الإطار ذاته، فإنّ حلاً سياسياً في سورية سيقطع الطريق ليس على واشنطن وحدها، وإنما أيضاً على الصهاينة والأتراك والسعوديين، الذين يحاولون رمي مشاكلهم الداخلية إلى نطاق الاشتباك السوري، بالتوازي مع محاولة كل من هؤلاء ممارسة دوره الإقليمي عبر نافذة الصراع السوري.
إنّ معاداة واشنطن والصهيونية وحلفائهما، والحفاظ على السيادة الوطنية السورية وعلى الهوية الوطنية، يتطلب العمل قبل كل شيء على إيقاف إحراق سورية بأسرع ما يمكن، الأمر الذي لا طريق إليه إلا عبر الحل السياسي بمفرداته الثلاث الأساسية: (إيقاف التدخل الخارجي، إيقاف العنف، إطلاق العملية السياسية). وإنّ هذه الطريقة في مجابهة واشنطن، تعني ربط الجبهات جميعها في جبهة واحدة. فقتال التكفيريين عسكرياً لن يصل إلى نهاياته دون تأمين الحد المطلوب من الوحدة الوطنية الداخلية من جهة، ودون توافق دولي، عبر جنيف، يجبر عشرات الدول المتدخلة على التراجع عن تدخلها.
كما أن خروجاً حقيقياً من الأزمة القاتلة التي تعيشها سورية، يعني الخروج لا من نتائجها المباشرة فقط، بل من أسبابها أيضاً. أيّ أن البنية المأزومة للرأسمالية العالمية لا تقدم استثناءً لبنية الدولة السورية، فهي الأخرى مأزومة بوصفها بنية رأسمالية، ومأزومةٌ بشكل مضاعف لكونها اقتصاداً رأسمالياً مرتبطاً بالاقتصادات الغربية، وبالتالي تابعاً لها، من جهة أخرى، (لا أدل على ذلك من أن 70% من التبادل التجاري السوري جرى مع الغرب حتى بدايات الأزمة!).
إنّ الدفاع عن الوطن السوري اليوم، يتطلب جرأة سياسية عالية، في المضي نحو الحلول السياسية ونحو التغييرات العميقة التي لم يعد ممكناً الخروج من دوامة الأزمة، ومن الكارثة الإنسانية المستمرة، دون إجرائها.