معاً.. في المنتصف
عبد الرزّاق دياب عبد الرزّاق دياب

معاً.. في المنتصف

ما تزال اللغة عصية على البعض، وكذلك المواقف، وأغلبية الذين يتنطحون في الأزمات ليعلنوا أنهم على قيد الحياة لم تزل خطواتهم مرتبكة، وفي لجة التحول من الممكن أن تسمع الصوت وصداه، البيان ونقيضه، النداء وتداعياته ونتائجه بتحاليل مختلفة.

ها هنا حيث الوطن في وجه جديد، ويد لا تريد من يراوغها، ما زال الكثيرون يتأملون في صفحة النهر ملمس الحصى، وتوهان (الاشنيات) الذاهلة دون حراك، والطحالب المتمسكة بعكس التيار، وتحلم بأن تصير سلموناً يسعى إلى الماء العذب مع أمل البقاء.

لم يحسم أصحاب المنابر لغة انتمائهم، وفي ذروة خطاباتهم الملونة يتبارون في الالتفاف، ثمة من يطلق الأحكام والأوصاف، وثمة من يدافع عن رأيه باتهام بقية الألوان، ومن بقي يهوى الشفاف الذي لا طعم له ولا رائحة.. الحياد ريثما تنكشف الغمة.

هنا.. من داخل الثرثرة التي ترى بالمتحاربين مجرد فرصة للبحث والتحاور، فرصة لصوغ البيانات ودحضها، ووقتاً فائضاً للحديث عن تحذيراتهم ونصائحهم وتوجهاتهم السديدة، ويفردون الصفحات المتحركة على مواقع التواصل لاستبيان رأي أتباعهم ومريديهم، ويباغتوننا بالعبارات التي لا تصنع فارقاً بين الحكمة والجبن، بين الرأي ونقيضه، بين الدس والوضوح، و الثرثرة ومستقبل البلاد والعباد... هنا من داخلها ثمة من يركب القلق كخيار وحيد.

أما الأصوات التي من المفترض أن تحدث فارقاً فها هي تتلون بدرجات اللون الواحد، تنتشي فتهذي، تصحو فتعود إلى ألوانها المائعة، أما في الحقيقة فهي تنتظر ريشة تقول للونها إنك هنا إلى جانب الوردة أم الدم.   

ما قلناه عن الأمس كمجازفة أضحى اليوم ترداداً مملاً، ما حسبناه مستحيلاً صار ممكناً.. واليوم تتبدل الوجوه كأطباق المطاعم الفاخرة، أما جيوش المنتفعين فيشبهون في تبدلهم الملاعق الساقطة التي سرعان ما يؤتى بغيرها.

اليوم يغادر مدير عتيد مكتبه في التلفزيون بعد انتقادات لأداء إدارته، وأما الفضائية فتودع مديرتها كرسي قيادتها.. ألم نهمز ونصرخ ونصيح إننا نحتاج إلى لغة قادرة –كأضعف الإيمان – على  اقتيادنا إلى شاشتنا الوطنية، وإننا نتوق إلى صحافة بمستوى تطلعاتنا، صحافة ليست حبراً على ورق، وحكي (جرايد)، وقادرة على إيقاف من يسرقنا وينهبنا ويغرر بنا خلف القضبان، وإذاعة لا ترى في الأبراج آخر أحلامنا، وفي أصوات مذيعيها أعذب ما ترومه آذاننا.

اليوم يقول لنا الوزير الحبيب إن العمال المؤقتين يمكن تثبيتهم بعد أن استسلموا لعقدة العقد الذي قلنا إنه مذل ذات يوم، وإنه مجحف، وبيد رب العمل متى شاء نزعه ومتى شاء مدده.. ألم تكن وزارة العمل عقدة المنشار للعامل، ولو حاولنا إحصاء ما كتبته الصحافة السورية الرسمية والخاصة عن تصريحات وزيرتها العارفة بشؤونها، وعن فقراء سورية، وعمالها، والعقد شريعة المتعاقدين لحازت على نصف الورق والحبر وكل القراء.

اليوم ينزل الوزراء إلى الشارع، ويفتحون مكاتبهم، ويحددون في برنامجهم يوم استماع للمواطنين الذين كانوا يطردون من أمام غرفة مستخدم مديرية صغيرة.

اليوم نطور قانون الإدارة المحلية، ونغّير قانون التأمينات والإعلام، ونمد للمواطن جسراً كهربائياً في السومرية (التي لها حكاية) ليعبر على الهواء دون أن يحرق (كوليستروله) الغالي بعد أن كان يتجاوز من الطرف إلى الآخر ويده على قلبه.

مع كل هذا التغيير الكبير لوقائع حياتنا اليومية، وتفاصيلها الجديدة، ومخاوفنا التي ولدت لحظة التحول ما زال من بيده قدرة الرأي على البوح يقف في المنتصف، يتلون حسب تصاعد الموقف عسى أن يجد مكاناً له في قادمات الوقت، وفي هذا المعترك صعد ركاب الهامش ليتوسدوا المرحلة.

في هذه البرهة الفاصلة من مصير الوطن.. لا وقت لأنصاف الآراء والمواقف.. والألوان.