وذكّر فقد تنفع الذكرى..
مع صدور هذا العدد من جريدتنا الغراء قاسيون، يصبح عمر صحيفتنا خمسمائة عدد بالتمام والكمال.. وقد رصدت قاسيون وواكبت منذ انطلاقاتها الأولى في أواخر الستينيات من القرن الماضي مجمل الأحداث والتطورات التي مرت على بلدنا الحبيب سورية، وعلى منطقتنا، وعلى العالم، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وفكريا وإنسانيا.
كانت قاسيون تتبع اللجنة المنطقية لمدينة دمشق، ومنذ العدد 149 الصادر في بدايات عام 2001 أصبحت لسان حال اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين، وإذا كان الهدف الأساسي لها هو العمل على إعادة اللحمة للشيوعيين السوريين عبر توحيدهم في حزب واحد بعد الانقسامات المريرة التي مر بها حزبنا الشيوعي السوري، فإنها كانت وبالوقت نفسه تعبر عن رأي اللجنة الوطنية في مختلف قضايا الساعة داخليا وعربيا وعالميا. ويشرّف قاسيون كثيرا أنها في بدايات القرن الواحد والعشرين، أول من تنبأ بأن النظام الرأسمالي العالمي بدأ يدخل في أزمة اقتصادية لا مثيل لها ولا مخرج لها أيضا، في وقت كان العالم الرأسمالي يعتبر نفسه منتصرا في الحرب الباردة، وأن الشيوعية أصبحت من الماضي.
فقد جاء في المقال الافتتاحي للعدد السادس الذي أصدرته اللجنة الوطنية تحت إشرافها، وهو العدد رقم 155 تاريخ 26/7/2001 وكان تحت عنوان «أي إصلاح اقتصادي نريد»، ما يلي: «تزداد أهمية هذا السؤال في عالم اليوم، وفي هذه اللحظات تحديداً، نتيجة للأزمة الشديدة التي يعاني منها الاقتصاد الرأسمالي العالمي، والذي لم تستطع حلوله «المعولمة» حتى هذا الحين إيجاد مخرج جدي لها. ومظاهر هذه الأزمة واضحة اليوم وخاصة في أسواق المال والأسهم وما تتعرض له من اهتزازات شديدة، يتوقع الاختصاصيون على أساسها انهياراً شاملاً وخاصة الدولار الأمريكي خلال المستقبل المنظور جداً، وتبحث اليوم الحكومات في روسيا وأوروبا وبشكل سريع الإجراءات التي يجب اتخاذها فوراً لحماية اقتصادها وعملاتها من آثار الانهيار المتوقع الذي لن يكون له مثيل خلال التاريخ الحديث على الأرجح.
ولا شك أن هذه الأزمة هي تعبير عن تناقض موضوعي تعيشه الرأسمالية العالمية، ولا مخرج لها منه، كما فعلت سابقاً خلال القرن العشرين، إلاّ بالحرب..».
وكان يعتبر ساذجا سياسيا وفكريا كل من يطرح هذا الموضوع بهذا الشكل والوضوح، وبهذه الجدية، إلى أن انفجرت الأزمة العامة للرأسمالية في أيلول عام 2008، وقد نبهت قاسيون إلى ضرورة العمل على تجنيب اقتصادنا الوطني الآثار الضارة لهذه الأزمة، والحدّ قدر الإمكان من تأثيراتها على معيشة الجماهير الواسعة.
وإذا ألقينا نظرة فاحصة على ما يجري الآن من حراك جماهيري مطلبي، ودور قوى الفساد التي تقف حجر عثرة في تحقيق الإصلاحات المنشودة التي تحافظ على كرامة الوطن وكرامة المواطن، وإذا عدنا إلى الوراء أيضا سنرى أن قاسيون قد نبهت لما يحدث الآن منذ عشر سنوات أيضاً، ففي المقال الافتتاحي للعدد 154 تاريخ 12/7/2001 والذي ورد تحت عنوان: كيف نُقيّد الليبرالية المنفلتة؟ حيث بين أن هناك قوى داخلية مرتبطة بالخارج وطنها المال وليس الوطن فعلا حيث يقول: « وتضغط قوى العولمة الرأسمالية في كل مكان لتنفيذ برنامجها الشامل، ويحمل هذا البرنامج على الأرض قوى برجوازية طفيلية لا وطن لها ومستعدة للتخلي من أجل تمرير مصالحها ليس فقط عن الاستقلال الوطني، وإنما أيضاً عن مفهوم السيادة الوطنية، تحت حجة «القرية العالمية».
وفي ظل المعركة الوطنية الكبرى التي تخوضها سورية اليوم لمنع تنفيذ مخططات إسرائيل الصهيونية في المنطقة ترتدي أهمية كبرى قضية مواجهة الليبرالية الجديدة داخلياً، لما تحمل من مخاطر كبرى على مستقبل النضال الوطني كله. وتستند هذه الموجة في هجومها على عمقها العالمي الذي تمثله قوى الرأسمال المالي، وهي تهدف إلى إعادة سيطرتها على المواقع المفتاحية في الاقتصاد الوطني من أجل السيطرة اللاحقة على القرار السياسي».
وأضاف متسائلا: «على هذا الأساس يصبح السؤال مشروعاً: ما هي الوسائل الأنجع لتقييد هذه الليبرالية المنفلتة من عقالها، وهل تكفي قوة الدولة وحدها ووسائلها للقيام بهذه المهمة؟
لقد أثبتت التجربة أنه في الظروف الملموسة الحالية، يبقى هامش الدولة للمناورة مع قوى الليبرالية الجديدة ضيقاً جداً، إذا لم تكن هنالك في المجتمع حركة شعبية متنامية تتصدى لبرنامج قوى العولمة المتوحشة، الذي يأخذ شكلاً خاصاً في ظروفنا السورية، وسيتسع هذا الهامش بلا شك بوجود حركة شعبية تتمتع بحريات ديمقراطية واسعة وقادرة على التعبير عن مصالحها ومطالبها الاقتصادية والاجتماعية.
لذلك يصبح على رأس جدول الأعمال اليوم العمل على التحقيق الجدي لحق الإضراب الذي يعتبر من أهم الحقوق الديمقراطية، والإضراب اليوم ليس عملاً مضراً بالاقتصاد الوطني كما يتصور البعض، بل بالعكس تماماً، فهو ذلك الصمام الذي سيؤمن التطور المتوازن للاقتصاد الوطني في ظل حرية حركة الرساميل، فكلما زادت حرية الرأسمال، وجب أن تزداد مساحة حرية الطبقة العاملة في الدفاع عن مصالحها وفي ذلك تكمن المصلحة الوطنية الحقيقية والعليا».
لقد كانت قاسيون بحقّ صوت الحق الذي ويدفعه واجبه الوطني لكي يعبر عن مصالح الطبقة العاملة، والفلاحين الفقراء، والمثقفين الثوريين، انطلاقا من أساسها الماركسي اللينيني، بحيث لا تتحدث عن ما يجري من أحداث فقط، بل عليها أن تتنبأ بالأحداث والتطورات القادمة التي تعتبر المهمة الأساسية للصحافة الناجحة، والهادفة لأن تكون عين المجتمع الساهرة التي تستطيع وبشجاعة المقاتل أن ترصد الأخطاء والأحداث والتطورات الجارية والقادمة دون أن يردعها إلا ضميرها الحي الذي يعمل للحفاظ على كرامة الوطن وكرامة المواطن. فتحية لقاسيون في عيدها وفي عمرها المديد الذي أصبح خمسمائة عدد وإلى الأمام أيتها الحبيبة والمناضلة «قاسيون».